موضوع: أحداث رمضانية الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 11:02 am
احداث رمضانية
الثاني والعشرون من رمضان 1379 هجري
الكراهية البيضاء
في بداية القرن الثامن عشر بدأ التدفق الأوروبي إلى منطقة جنوب أفريقيا المليئة بالثروات، وأطلق على القادمين من شمال أوروبا لقب البوير الذين بدأوا في توظيف ثروات المنطقة لمصالحهم ضمن مناطق خاصة، وسرعان ما توسع طموحهم على فرض هيمنتهم على كل البلاد، وتحقق لهم ذلك فبدأ نظام الفصل العنصري من خلال ممارسات البوير حتى تكرس قانونيا في سنة 1948 من خلال قانون الأبارتهايد الذي قسم سكان جنوب أفريقيا إلى مجموعات عرقية على أساس اللون، وتمكن البيض من الحصول على معظم المكتسبات بينما قبعت الأغلبية السوداء في قاع الهرم الاجتماعي في معازل خاصة تقدم فيها أردأ أنواع الخدمات، ويحظر اختلاطهم بالبيض وممارسة حقوقهم السياسية والاجتماعية خصوصا في المدن. كانت الاحتجاجات التي يقوم بها السود تقمع بوحشية من قبل قوات الشرطة البيضاء، ولذلك لجأ السود إلى تأسيس منظمات سرية للعمل من أجل المطالبة بحقوقهم الإنسانية الرئيسية، ولكن الحكومة البيضاء أصرت على انتهاج القمع، ووصلت الأمور إلى مرحلة التأزم في الثاني والعشرين من رمضان 1379 هجري (1960 م) حيث أقدمت الشرطة على استخدام العنف المفرط في مواجهة مظاهرات السود في بلدة شاربفيل وأسفر ذلك اليوم عن مقتل 69 من السود في بضعة دقائق، حيث خرج بضعة آلاف من المتظاهرين للاحتجاج على القانون الذي يفرض عليهم حمل بطاقات تصريح خاصة للخروج من المعزل الخاصة بهم، ولكن الشرطة التي أدعت قيام المتظاهرين برشقها بالحجارة وهذا ما لم يثبت بأية حال، فتحت النار في ظل خوفها من التدافع لآلاف السود وسقط العديد من النساء والأطفال ضحايا للعنف غير المبرر. بعد هذه المذبحة أعلن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي عن بدء نضاله العلني، ولعب الحزب وقائده الروحي نيلسون مانديلا دورا كبيرا في تدويل قضية جنوب أفريقيا وفي سنة 1962 أعلنت الأمم المتحدة عن مقاطعة جنوب أفريقيا، مما أغضب الحكومة التي ألقت في ذات السنة القبض على مانديلا وأودعته السجن، مما حوله إلى رمز وطني وملهم للنضال الأسود في مواجهة الفصل العنصري. واصل مانديلا من سجنه مواقفه السياسية بينما كانت كوادر حزب المؤتمر تواصل نضالها على أرض الواقع، وتحاول أن تكسر من خلال أكثر من معركة سياسية وقضائية ودبلوماسية، بالإضافة إلى حركتها في تنظيم الاضرابات والاحتجاجات، وبدأت الحكومة البيضاء تعيد التفكير في الوضعية التي تحول معظم ثروات البلاد إلى أربعة ملايين أوروبي في مقابل حرمان أكثر من 29 مليون أفريقي من أبسط حقوقهم. في سنة 1990 بدأ انهيار النظام العنصري ولكن ذلك لم يكن دمويا ولا ثأريا، بل نتيجة حراك سياسي مكثف، وأعلن في نفس السنة الإفراج عن مانديلا بعد 28 سنة في السجن، وبدأت عملية التحول التي استغرقت ثلاث سنوات على أساس الشراكة بين الرئيس الأبيض فريدريك دي كليرك ومانديلا حتى انتهت بتنظيم أول انتخابات مفتوحة في البلاد واستطاع مانديلا الذي ترشح عن حزب المؤتمر أن يحصد معظم الأصوات ليصبح رئيسا لجنوب أفريقيا سنة 1994. لم يترشح مانديلا الذي تحول إلى رمز عالمي للرئاسة لمرة ثانية وفضل أن يلعب عدة أدوار في إحلال السلام العالمي، والدفاع عن قضايا حقوق الإنسان وتمثيل القارة الإفريقية ومشاكلها في المحافل الدولية، بينما تقدمت جنوب إفريقيا لتصبح الاقتصاد الأقوى في القارة ومن أكثر الدولة تقدما في الممارسة الديمقراطية