موضوع: أحداث رمضانية السبت سبتمبر 20, 2008 9:50 am
احداث رمضانية
العشرون من رمضان 1351 هجرية
الرسالة وعصر جديد من الثقافة
في مطلع القرن الميلادي العشرين استأثرت القاهرة بنخبة المثقفين في العالمين العربي والإسلامي، فتوسع المدينة وسعة أسباب الرزق فيها جعلاها مقصدا لحركة ثقافية بدأت تمثل ملمحا مهما في الحياة القاهرية، وفي ضوء ذلك يمكن فهم تجربة الأخوين تقلا في جريدة الأهرام والأخوين بيضا في صناعة السينما، وأسماء مثل جورجي زيدان وأبو خليل القباني وغيرهم، وكان طبيعيا والحالة تلك أن تصدر العديد من الدوريات الثقافية التي اهتمت بالأدب والفكر، وحاولت أن تعمل على بناء أرضية ولو محدودة لعملية تنويرية تتوجه للنخب الدينية والاقتصادية التي كانت تسطع في تلك الآونة- بينما ترزح غالبية المجتمع تحت وطأة الأمية والحاجة ؟ أن تقرأ تلك الدوريات وأن تتفاعل معها. في تلك السنوات الأولى من القرن العشرين كانت العديد من الأسماء البارزة في مجالي الأدب والفكر تعيش في القاهرة وتلتقي في حلقات مفتوحة على مقاهيها، وكان الشاب القادم من محافظة الدقهلية للدراسة في الجامع الأزهر أحمد حسن الزيات واحدا ممن يصبون للتعرف والتقرب من تلك الأعمدة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، ولذلك لم يطق الشاب مواصلة تعليمه التقليدي وأخذ ينتظم في حلقة الشيخ المرصفي المخصصة للأدب العربي، وبدأت في تلك المرحلة علاقة الصداقة التي ربطته طويلا بعميد الأدب العربي طه حسين. مع افتتاح جامعة القاهرة انتقل الزيات للدراسة في صفوفها سنة 1908 حيث التقى بكوكبة واسعة من المدرسين الغربيين الذين استقدمتهم الجامعة للتدريس، وعمل أيضا مدرسا في أحد المدارس الإعدادية ليواجه متطلباته الحياتية، وفي مساءات القاهرة التقى الزيات بنخبة المثقفين الصاعدة في القاهرة مثل المازني والعقاد، الذين كانوا يحملون مثله رغبة جارفة في الاستزادة من الأدب والفكر والسياسة أيضا، فأصبحوا بعد سنوات بمثابة العقل النخبوي لثورة 1919. التحق الزيات في وظيفة مدرس للغة العربية في الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 1922، ولكنه هجرها مؤقتا ليحصل على شهادة القانون من جامعة باريس سنة 1925 ليعود لعمله في الجامعة، ومنها إلى العراق حيث عمل هناك وتعرف على نخبة المثقفين العراقيين قبل أن يعود إلى القاهرة، ويواصل انخراطه الكامل في الحياة الأدبية والفكرية. أصبح الزيات واحدا من الكتاب المعدودين في العالم العربي وطالما صنف من كتاب الصف الأول بجوار طه حسين والعقاد، كما كان مترجما وناقدا وناشطا سياسيا تجرأ على تحطيم العديد من التابوهات بنقده الموضوعي ولغته المتوازنة، وإلى ذلك اكتسب الزيات صفات جعلته يمثل قاسما مشتركا بين العديد من المثقفين الذين اتفقوا على شخصيته المبادرة وحماسه، وبقيوا على تقديرهم واحترامهم لجهوده المخلصة، ولذلك قرر الزيات أن يخوض تجربة إصدار مجلة أدبية فكرية فكانت الرسالة التي صدر عددها الأول في العشرين من رمضان سنة 1351 هجرية (1933 م). كانت الرسالة تمثل نقلة نوعية في عالم الثقافة العربية حيث فتحت أبوابها لجميع الأقلام على اختلاف توجهاتها الفكرية ولم تحكم سوى معيار القيمة والجودة في المفاضلة بين المواد المنشورة، واستطاعت الرسالة أن تصبح المجلة الأولى لدى القراء في غضون بضعة أعداد، وأصبح من بين كتابها الدائمين الشيخ مصطفى عبد الرازق و ومصطفى صادق الرافعي، وأحمد أمين المؤلف الإسلامي الكبير، والناقد والمثقف الموسوعي عباس محمود العقاد، وأفسحت المجلة الفرصة لجيل جديد من الشباب أصبحوا في مرحلة لاحقة أعلاما ثقافية يشار لها بالبنان مثل الشاعر محمود حسن اسماعيل والمحقق التراثي محمود شاكر والشاعر التونسي أبو القاسم الشابي. وأثرت الرسالة في جيل كبير من المبدعين الذين تربوا على قراءتهم مثل محمود السعدني وأنور المعدواي وزكريا الحجاوي وغيرهم، وبقيت المجلة تواصل صدروها حتى توقفت بعد عشرين عاما واحتجبت إلى اليوم في سنة 1953، وإن بقيت حاضرة الذكر في مذكرات الكتاب العرب الذين عايشوا عصرها الذهبي متعرفين بفضلها ودورها في التنوير الذي أصبح مجرد تاريخ وذكرى.