موضوع: مدن إسلامية .. طرابلس الشرق الخميس أغسطس 11, 2011 12:06 pm
مدن إسلامية .. طرابلس الشرق
يرجع تاريخ مدينة طرابلس إلى المرحلة الفينيقة، فهي كانت مركزا لاتحاد ضم صور وصيدا وجزيرة أرواد، ومن هذا الإتحاد أتت تسمية المدينة وتعني بالإغريقية المدن الثلاثة، فهذه التسمية تحديدا إلى عصر الحضارة الهلنستية التي ورثت الفينقيين في شرق المتوسط، وكانت طرابلس بموقعها تعد مدخلا لسوريا، وأحد الموانئ المهمة على الساحل السوري، وفي العصر العربي احتفظت باسمها مع تعريبه، وأصبحت طرابلس أحد المناطق المحورية لدى الصليبيين للسيطرة على منطقة الشرق العربي. شهدت طرابلس في القرن السادس الميلادي نقطة تحول تاريخية، فالمدينة تهدمت تقريبا جراء زلزال عنيف ضربها، وانبعثت المدينة من جديد من رمادها، وكأنها تتبع في ذلك الغريزة الأساسية التي يحملها أهالي لبنان، وهي التوق للحياة والتشبث بها، وفي العصر الإسلامي شهدت طرابلس تقدما ملحوظا، فتحولت إلى أحد المراكز العلمية والثقافية المهمة في العالم الإسلامي، وكانت بها مكتبة دار العلم التي ضمت مئات الآلاف من المخطوطات، وكانت من المكتبات الكبرى في ديار الإسلام، وأتى الدمار على هذه المكتبة التي ضمت مجموعة ضخمة من الكتب المتعلقة بالمعارف العربية واليونانية بعد دخول الصليبيين إلى المدينة في القرن الثاني عشر، وبقيت طرابلس تحت الحكم الصليبي قرابة القرنين من الزمن، فمدينة مثل طرابلس لا يكون التنازل عنها مسألة سهلة أو مقبولة، خاصة بالنسبة لجيش لا ينتمي للمنطقة وتواجهه مقاومة شديدة، فهي محطة تزويد مهمة على الخارطة الصليبية للمنطقة، ولكن السلطان الناصر قلاوون تمكن من طرد الصليبيين في نهاية القرن الثالث عشر، ويقرر أن يهدم المدينة العشوائية والمهملة التي خلفها الصليبيون وراءهم، حيث انحصر اهتمامهم فقط بتأمين قلعتها، دون بقية أحيائها، لتقوم طرابلس من جديد على نمط البناء المملوكي الذي يعني بالعمارة الفارهة التي تعكس الثراء والقوة، واحتفظت المدينة من جديد بمكانتها مع لمحات جديدة من التحصين العسكري المملوكي يظهر في السراديب والأسوار. تراجعت مكانة طرابلس مع صعود بيروت، وأخذت تتحول إلى عاصمة محلية أكثر منها مدينة مؤثرة في محيطها العام، إلا أنها بقيت ساحة للتنافس بين الأتراك والمصريين في عهد محمد علي الذي تطلع لضم الشام إلى حكمه، ومع إقامة الدولة اللبنانية أصبحت طرابلس المدينة الثانية في لبنان، وعاصمة الشمال، وبقيت الكتلة السكانية الكبيرة تحتفظ لها بمشاركة كبيرة في صياغة الواقع اللبناني السياسي والاقتصادي، إلا أن المدينة لم تحظى بكثير من حصة التنمية بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وبقيت الكثير من آثارها الإسلامية دون عناية كافية، وعلى الرغم من وجود ما يؤهلها لتكون أحد الوجهات السياحية المهمة، إلا أنها تنزوي كمدينة تمتلك تاريخا كبيرا، وقليلا من المستقبل، في حالة بقيت بعيدة عن خارطة العناية والاهتمام. تعد طرابلس نموذجا للمدينة الشامية، حيث تنتشر الخانات والحمامات والزوايا الصغيرة، مع لمحات للعمارة السائدة في منطقة المتوسط، وتشتهر بالصناعات المحلية الصغيرة والحلويات، وتدعى المدينة بلقب الفيحاء، ويقطن المدنية وقراها حاليا أكثر من نصف مليون نسمة، إلا أنها تتصف بالكثافة العالية نتيجة مساحتها الصغيرة، كما تتبع للمدينة مجموعة من الجزر الصغيرة المواجهة لها، منها جزيرة النخيل وجزيرة بكار وجزيرة الفنار التي اتخذت اسمها من فنار صغير بني في الستينيات.