موضوع: مدن إسلامية - تلمسان الأربعاء أغسطس 03, 2011 11:31 am
مـدن إسلاميـة
تلمسـان- تقع تلمسان على الحدود الجزائرية مع المغرب، وهي مدينة شهدت كما إقليهما ككل العديد من الشعوب التي طمعت في هذا الموقع الاستراتيجي في جنوب المتوسط، فسكنها البربر الذين أسسوا قلعة هناك، لتعرف المنطقة باسم أغادير التي تعني القلعة باللغة الأمازيغية، وشعوب الفاندال القادمة من شمال أوروبا مع تأسيسها لإمبراطورية مهمة في قرطاج، وتمكن الرومان لاحقا من السيطرة على المنطقة، قبل أن يتمكن المسلمون من فتح المنطقة، وبعد أن تراجعت قدرة الخلافة العباسية على حماية سلطتها في المغرب، توالت على المدينة العديد من الدول الإسلامية من الأدارسة والمرابطون والموحدون، قبل أن تنتقل إلى حكامها المحليين من بني عبد الواد، إلى أن تمكن المرينيون القادمون من المغرب من السيطرة عليها من جديد، لتخضع أخيرا للحكم العثماني في القرن السادس العشر الميلادي، وتصبح أحد المدن المهمة لاحقا لدى المستعمرين الفرنسيين لعقود، فكان قدر المدينة الصغيرة الواقعة أن تختصر جميع هذه التحولات وتكتسب تنوعا كبيرا يجعلها واحدة من أثرى المدن على المستوى الثقافي. كانت أغادير البربرية تمثل المدينة الأساسية، قبل أن يبني يوسف بن تاشفين ثاني ملوك المرابطين وأكثرهم تأثيرا مدينة تقرارات القريبة من أغادير، وبصورة سريعة ومع التمدد العمراني اندمجت المدينتان، لتصبح تلمسان هي المدينة الجديدة لتبدأ تنافسها مع مدينة وهران القريبة، ليس في قيمتها التجارية أو السياسية، وإنما في الحالة الثقافية، فمدينة تلمسان الصغيرة مقارنة بوهران تمكنت من احتضان حركة علمية واسعة، فكأن وهران انشغلت بالدنيا وتشاغلت تلمسان بالدين، فالمدينة تجمع بين جنباتها مجموعة من المساجد والزوايا المهمة، وبقيت متمسكة بهويتها الإسلامية لتمثل رأس حربة في المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي، فهي مدينة مصالي الحاج الذي يعود له الفضل في تفجير الثورة الجزائرية وأصبح لقبه أبو الأمة. إن شخصية تلمسان الهادئة والمحافظة مكنتها من أن تكون مكانا طاردا للجالية الفرنسية التي فضلت أن تتركز في المدن الصاخبة حيث يمكن أن تحصل على فرص للعمل والثراء، وبالتالي صعدت الروح الوطنية المقاومة بين أبناء تلمسان المعروفين باعتزازهم الديني والتاريخي لتصبح مدينة مؤثرة في تاريخ الجزائر والمغرب العربي ككل رغم حجمها الصغير من الناحية الجغرافية والسكانية. مدينة تلمسان جبلية تبتعد قليلا عن الساحل، يقل عدد سكان المدينة عن المائتي ألف نسمة، إلا أنها تمثل العاصمة لمنطقة ريفية زراعية واسعة يقطنها أكثر من مليون نسمة، وتشهد زيارات عديدة من مختلف أنحاء الجزائر لوجود المشاهد الصوفية الكثيرة فيها، خاصة مقام أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري، الذي يدعى بمعلم المعلمين ويعد من أقطاب الصوفية الكبار في المغرب العربي، ويعد مقامه تحفة معمارية تستوحي الطراز الأندلسي المغاربي في البناء، ولمدينة تلمسان ينتمي العدد من المتصوفة منهم العفيف التلمساني وهو أحد الشعراء الجيدين، ولإبنه الذي لقب بالشاعر الظريف مكانة كبيرة بين شعراء العصر المملوكي، وفي الشام حظي محمد الهاشمي التلمساني بمكانة كبيرة ليكون شيخا للطريقة الشاذلية هناك، ومن المدينة أيضا المنور التلمساني الذي انتقل للتعليم في الجامع الأزهر بالقاهرة، ومن أبناء أهالي تلمسان المهاجرين للقاهرة أيضا كان عمر التلمساني الذي كان مرشدا عاما لجماعة الإخوان المسلمين.