موضوع: مدن إسلامية - فاس الثلاثاء أغسطس 02, 2011 8:28 am
مدن إسلامية ... فاس
يرتبط تاريخ مدينة فاس بإدريس الثاني، وقبل ولادته ساد الاعتقاد لدى الخليفة هارون الرشيد بأن نسل الأدارسة المنتمين إلى الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب انقطع وأن المغرب الذي احتضن أبناء الإمام علي كرم الله وجهه سيكون منطقة مفتوحة أمام نفوذ الخلافة العباسية من جديد، فإدريس الأول مؤسس أول دولة إسلامية في المغرب لم يترك نسلا في حياته، إلا أن جاريته كنزة كانت حاملا في ولده الوحيد إدريس الثاني، وبقيت القبائل البربرية المتحالفة مع الأدارسة في انتظار موعد الولادة، ولما أتى المولود ذكرا قرروا أن يولوه الأمر بينهم، وكانت البيعة البربرية قائمة على أساس ولاية أحد المنتمين إلى آل البيت، فحداثة عهدهم بالإسلام، جعلتهم يحرصون بصورة دائمة على وجود فكرة الإمامة التي يمكنها أن تحمل مسؤولية المرجعية في شؤون الدين والدنيا، وكانت واجبات إدريس الثاني أن يكون عند مستوى الطموحات التي حملها من بايعوه. إن تأسيس عاصمة للحكم في بلاد المغرب تطلب موقعا محصنا جغرافيا، فمع أن جيوش الخلافة العباسية وجدت صعوبة أداء مهمة عبر شمال افريقيا لمهاجمة الأدارسة، كما أنها لم تتمكن من تحريك قواتها في مصر وغيرها من الولايات الإفريقية تجاه المغرب لوجود ولاء كبير لدى البربر، إلا أن هذه الحسابات لم تمنع الأدارسة من الاعتماد على جعل فاس مدينة حصينة داخل مجموعة من الأبواب، التي أصبحت نواة لمدينة أخذت تتسع بصورة كبيرة يتعدى عمرها اثني عشر قرنا. المحطة المحورية في تاريخ فاس التي اكسبتها جانبا من صورتها المعاصرة، كانت المجازر التي تعرض لها المسلمون في الأندلس في القرن الخامس العشر وبداية القرن السادس عشر مع محاكم التفتيش والتهجير القسري، الأمر الذي جعل المدينة الواقعة في شمال المغرب محطة أولى لقدوم الأسر الأندلسية، واستقرت أعداد كبيرة من المهاجرين في مدينة فاس، وبدأت مرحلة جديدة من العمارة في تاريخ المدينة، لاستيعاب المهاجرين، وهذا القسم أخذ الطابع الأندلسي، كتعبير عن حنين الأندلسيين لمدنهم التي تركوها وراءهم، وتنقسم المدينة بناء على ذلك لثلاثة أقسام، الأول فاس البالي، الذي يعود لمرحلة ما قبل سقوط الأندلس، وفاس الجديد الذي يعود لمرحلة الهجرة من الأندلس، والمدينة المعاصرة التي نشأت في مرحلة الاستعمار الفرنسي. من أهم معالم فاس جامع القرويين الذي تحول إلى منارة علمية قصدها المسلمون واليهود والأوروبيون لتلقي العلوم التي تميزت بها الحضارة الإسلامية وخصوصا الرياضيات والكيمياء، وكان المسجد الذي فتح لاستقبال القادمين لتلقي المعرفة دون شروط يدلل على أرستقراطية فاس، فأهالي فاس ما زالوا يحملون على عاتقهم تاريخا كبيرا من البيوت التجارية والعلمية التي فرضت نفسها على تاريخ المغرب. تعتبر فاس أحد عواصم الثقافة الإسلامية، وضمن مواقع التراث العالمي في قوائم اليونيسكو، وتعد حاليا ثاني المدن المغربية من حيث عدد السكان الذي يقترب من مليوني نسمة، وكانت فاس العاصمة الرسمية للمغرب حتى سنة 1912 حيث انتقلت العاصمة إلى مدينة الرباط، الأمر الذي تسبب في هجرة إلى خارج المدينة تجاه العاصمة التجارية الدار البيضاء والعاصمة الرسمية الرباط، خاصة أن لأهالي فاس مكانة متقدمة في النخبة المغربية.