موضوع: الحصان العربي (2-2) الثلاثاء يونيو 23, 2009 2:09 pm
الحصـــــــــان العربــــــــي (2-2)
د. عبد الفتاح البستاني - لقد تمكن العرب من تحسين نسل خيولهم على مدى مئات السنين، بطرق خاصة ومميزة، لعدة اسباب اهمها: الغزو في الجاهلية، ثم الفتوحات الإسلامية فيما بعد. ولقد كان للرسول عليه السلام، والخلفاء المسلمين من بعده تأثير بالغ ومباشر على ازدياد أهمية الحصان والفروسية بشكل خاص، ونجد ذلك واضحا في قول الرسول عليه السلام ''علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل''. ولقد كان حب العرب للحصان عظيماً، لذلك كانوا يهتمون به اهتماماً بالغاً. وقد حاولوا دوما المحافظة على نقاء نسل الحصان العربي، وذلك بمزواجية الخيول الأصيلة المعروفة الأنساب، من اجل الحصول على خصائص معينة مثل: السرعة الكبيرة، والشجاعة الفائقة، والقوة الدائمة. بهذه الخصال تمكن الحصان العربي خلال الفتوحات الاسلامية في القرن السابع والثامن الميلادي، من اثبات وجوده في ساحة المعركة، وبالتالي التأثير على مجرى تاريخ حضارة العالم كله فيما بعد. والمعتقد أن للبيئة تأثير كبير على مملكة الحيوان والنبات، وهذا يفسر كون الخيول التي ولدت ونشأت في البادية والبراري الفسيحة أفضل كثيرا من تلك التي نشأت في الاسطبلات والاماكن المحصورة، حيث أن خيول البادية، كالخيول العربية، أكثر شجاعة وصبراً وتحملاً للمشاق.
طبائع الحصان العربي: عند الحديث عن طبائع الحصان العربي، فإنه من المسلم به ان الطاعة والوداعة التي يتميز بها هذا الحصان لا مثيل لها في سائر السلالات الأخرى، فـي هذا المجال يقـول الباحـث والتـر تويـدي W.Tweedie ''الطاعة مرتبطة بالسلوك، وهذه من اهم طبائع الحصان. وليس من السهل العثور على نوع آخر من الخيول تتصف بالطاعة والوداعة والرضى مثل الحصان العربي، والسبب في ذلك يرجع الى الرفقة والمؤانسة البشرية: فالبدوي يسكن مع خيله في خيمة واحدة، والخيول في البادية تقف امام اصحابها ليل نهار، والجميع يقومون على رعايتها... فالرجال وزوجاتهم وأولادهـم يـرعون الخيل والماشية ويهتمون بها، ويعطفون عليها خصوصاً مع فرس ولود او مهر فاقد لأمه. نتيجة لهذه المعاملة فان الطعام والمؤانسة هي اول ما يتبادر لذهن الحصان عند رؤيته لوجه بشري. والعرب يستحقون الكثير من المدح والاحترام لتأصيل هذه الصفة في خيولهم'' كما يقول تويدي. وفي هذا السياق تقول مارغريت سلف '' ان الحصان العربي اكثر ذكاء من الخيول الأخرى، واكثر وداعة، لأن العرب يعاملونه برفق واهتمام كبيرين... والحيوانات التي تنشأ بين بني الإنسان، تكون اكثر ذكاء ووداعة من غيرها''. اما في ميدان السباق فالحصان العربي عظيم ورائع. فهو يستطيع خوض سباقين او اكثر في يوم واحد دون عناء كبير. الشجاعة والذكاء والفطنة هي صفات متأصلة في الحصان العربي، والبعض الآخر منها مكتسب من الطريقة السليمة والهادئة التي يعامل بها البدوي حصانه: فهو يتكلم معه وكأنه بشر، و يقوده اكثر مما يسوقه. حب العرب للحصان ان أكثر ما اعتز به العرب كانت خيولهم في الحرب كما في السلم. لقد ارتبط العربي بالحصان منذ اقدم العصور. ولما جاء الإسلام حض على الإهتمام بالخيل ورعايتها، وحث على التمسك بالفروسية واخلاقها الرفيعة. ثم ان الفتوحات الإسلامية والتوسع العربي استدعى استعمال الحصان الجيد والإكثار من نسله. من الواضح في القرآن الكريم، وفي الأحاديث النبوية الشريفة مقدار العناية التي اولاها الإسلام للحصان في الشؤون العسكرية والمدنية على حد سواء، ففي القرآن نقرأ قوله تعالى'' واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم'' كذلك قوله تعالى '' زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل الموسومة والأنعام'' كما أن النبي عليه السلام قال'' الخيل معقودة بنواصيها الخير الـى يـوم القيامة'' كمـا قـال ايضا ''عليكم بإناث الخيل: فإن ظهورها عز، وبطونها كنز'' هذا لا يعني ان العرب بدأوا بالاهتمام بالخيل بعد الدعوة الإسلامية، فالعرب عرفوا الخيل قديماً وزاوجوها وحسنوها، حتى اذا مابزغت الدعوة الإسلامية وجدت في العرب فرساناً اشداء حملوا لواءها وتداعت لبأسهم اكبر المماليك. ويجزم المؤرخون ان من اهم عوامل النصر في الفتوحات العربية الإسلامية خلال القرن السابع والثامن الميلادي كانت: عقيدة المسلمين وايمانهم العميق بالله، الى جانب خيولهم القوية الرشيقة، ذات القدرة الفائقة على التحمل، التي خاضت المعارك ودكت بسنابكها اقوى امبرطوريتين ( الرومانية والفارسية) في اقل من مئة عام... وخلفت قصصاً مليئة بالعنفوان والشجاعة والتسامح والرحمة واخلاق الفروسية العاليه. لقد اهتم العرب بالحصان وعاملوه برفق، عكس الشعوب الأخرى كالألمان والمكسيكيين والهنود الحمر، الذين عرفوا بشدتهم وخشونتهم في معاملة الخيل. ان اكثر ما اعتز بـه العرب كـان خيولهم التـي نسجـوا حولها الحكايات، وسموا الوانها واعضاءها، وكتبوا في طبائعها وعاداتها وجمالها، ورشاقة حركاتها. وسمّت العرب الخيل خيلاً من الخيلاء: وتعني الكبر والتباهي والزهو والدلال، لأنها تختال في مسيرها. ويعتقد البدو ان الفرس الجميلة تشعر بجمالها ورشاقتها، مما يبدو واضحاً في خفة حركاتها ودلال مشيتها... اثر الحصان في الادب العربي: لقد كان اثر الحصان في ادب العرب القدامى واضحاً: فقد كانت الخيول مصدر الهام للشعراء الذين تغنوا بخصالها وشجاعتها وسرعتها وجمالها، من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر: طرفة بن العبد، عنترة بن شداد، وامرؤ القيس، وعمرو بن كلثوم، والمتنبي، وأبو فراس الحمداني.... وغيرهم الكثير فلقد جاء في معلقة عنتره العبسي قوله: يدعون عنتر والرماح كأنها... اشطان (حبال) بئر في لبان (صدر) الأدهم فازّور من وقع القنا(الرمح) فزجرته... فشكا الي بعبرة وتحمحم لو كان يعرف ما المشاكاة، اشتكى ... ولكان لوعرف الكلام، مكلم ولقد شفى جرحي، وأبرأ سقمها... قيل الفوارس: ويك عنتر اقدم وودت تقبيل الرماح لانها . لمعت كبارق ثغرك المتبسم كما نستذكر هنا ما جاء في معلقة امرؤ القيس، اذ يقول: قد اغتدي (احضر باكراً في الصباح) والطير في وكناتها... بمنجرد (حصان) قيد الأوابد ( الغزلان) هيكل مكر مفر مقبل مدبر معاً... كجلمود صخر حطه السيل من عل اما شاعر العربية الكبير المتنبي، فيقول مفاخراً: الخيل والليل والبيداء تعرفني... والسيف والرمح والقرطاس والقلم كما قال أيضاً : أعز مكان في الدنى سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب ومن الشعراء المحدثين فقد تغزل الاستاذ حيدر محمود بمدينة عمان واصفاً اياها بفرس لا تثنيها الريح، عندما قال: عمان اختالي بجمالك وتباهي بصمود رجالك يا فرساً لا تثنيها الريح سلمت لعيني خيالك ومع شدة حب العرب للخيل، الا انهم تحاشوا اطلاق الأسماء البشرية عليها. لقد اختاروا لها اسماء تدل على صفات فيها او على لونها. فقد اختاروا للحصان اسماء قوية النغم تدل على البأس والشجاعة مثل: جسور، فاتح، رعد، برق، اشهب، وهكذا. اما الفرس فكانت اسماؤها اكثر شاعرية، تدل على جمالها ووداعتها مثل: جوهره، رجوه، نوره، زينه، شهلا ونوفه... اهمية الحصان العربي ومن شدة حرص العرب في الحفاظ على نسل خيولهم، ان الحصان عندهم يباع بيعاً عادياً، يتم دفع ثمنه نقداً، او مقايضة بالمواشي او الحنطة... اما الفرس الأصيلة فبيعها يتم مقابل الثمن بالإضافة الى ان البائع يشترط على المشتري ان يعطيه اول مهرةٍ من مواليد هذه الفرس، على ان تتم الرضاعة مع امها مدة 110 ليالٍ، يتم تسليمها بعد ذلك للبائع. فاذا نفقت المهرة خلال مدة الرضاعة هذه، فإنه يسقط حق البائع بها. واذا ما ولدت الفرس حصاناً، فالبائع مخير بين ان يقبل الحصان مقابل المهرة، او ان يصبر الى ان تلد الفرس مهرة فيأخذها. ويعتبر تسليم المهرة المولودة من الفرس المباعة امانة عند المشتري، لا يمنعه من تسليمها أي سبب كان، حتى لو كانت الحرب قائمة بين قبيلتي البائع والمشتري، الذي يكون مكلفاً بتسليم البائع حصته من نسل الفرس، واذا ما تأخر عن ذلك يوصم بعار البوق ( اي الخيانة ) . ومما يدعو للفخر ان الحصان العربي قد غزا العالم بأسره، ودمائه تجري في معظم السلالات المعروفة. فالحصان الإسباني والكوبي وخيول جاوه، تنحدر من اصل عربي صحراوي. والحصان الأنجليزي المطعم Thorough- bred حصلوا عليه من تزاوج فرس انجليزيه وحصان فحل عربي. كذلك الحصان الروسي الأورلوف Orloff يختلط بدمـاء عربيـة، ذلك ان الكونت اورلوف حصل عام 1777 على عدد من الفحول العربية الأصيلة، التي زاوجها بخيول روسية ليحصل على سلالة قوية لازالت موجودة في جنوب روسيا، وفي بلاد القوقاز. كما ان الفحول العربية لازالت حتى يومنا هذا تنقل باستمرار من البلاد العربية الى انحاء مختلفة من العالم لتحسين وتقوية السلالات الأوروبية والأمريكية. لقد اكتشف العالم اهمية الحصان العربي واستفاد منه، فمن الأجدر بنا نحن العرب ان نحافظ عليه ونعطيه العناية الكاملة لتقوية نسله والبقاء على سلالاته، لأنه حيوان رائع قوي الشكيمة... لقد قال Andre Roshard، احد الباحثين الفرنسيين : ''اذا كان يحق للفرنسيين ان يفاخروا بنوعية نبيذهم، فان للعرب ان يفاخروا بتميز خيولهم الرائعة: الاقوى والاكثر اناقة من بين خيول العالم''.
عضو مؤسس لنادي الفروسية الملكي الأردني عضو اتحاد الفروسية وقفز الحواجز البريطاني drbustani @ yahoo .