موضوع: أحداث رمضانية - مولد الشاعر إيليا أبو ماضي الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 8:40 am
احداث رمضانية
الخامس عشر رمضان 1306 هجرية مولد الشاعر إيليا أبو ماضي
لا يمكن الوقوف على تجربة أدب المهجر وأثرها على الأدب العربي الحديث دون التعرض إلى هذه القامة الاستثنائية التي استطاعت أن تسهم في نهوض الشعر العربي بمزاوجتها بين الأصالة في الشكل والبناء، والحداثة في تناول المعاني المعاصرة والخروج عن الأغراض التقليدية للشعر العربي، فأضافت تجربة إيليا أبو ماضي بعدا جديدا يمتلئ بالملامح الصوفية والبعد الوجداني. ولد إيليا أبو ماضي في لبنان في الخامس عشر من رمضان سنة 1306 هجرية (1898 م) وعاش طفولة قاسية في بلدته المحيدثة وبقي يعاني من الفقر وشظف العيش مما أضطره لترك مدرسته ولسفر طفلا إلى الإسكندرية في مصر سنة 1900 ليعمل في صناعة التبغ مع خاله المستقر هناك، والتقى هناك بعدد من المثقفين الشوام الذين وجدوا في مصر ملاذا آمنا عن الاضطهاد التركي لطموحهم في تحقيق الاستقلال وبناء دولة وطنية. بدأت تجربته الشعرية في سنة 1911، ووضعه ديوان ''تذكار الماضي'' في دائرة الاهتمام في الأوساط الأدبية لما فيه من تغن بالطبيعة ومفاهيم جديدة عن الأرض والوطن، وأيضا نزعة مناهضة للاستبداد التركي الذي لم يمنح أهل الشام الاستقلال الذي يرومونه، وفي سنة 1912 هاجر إيليا أبو ماضي إلى الولايات المتحدة ككثير من اللبنانيين الذين سعوا للحصول على مستويات معيشية أفضل في العالم الجديد، ولكن حبه للأدب والشعر بقي رفيقه في هذه الرحلة، ففي سنة 1916 أسس مع زميليه ومواطنيه الكبيرين جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة الرابطة القلمية التي أصبحت تعني بالأدب العربي في أمريكا، وأصبحت إبداعاتهم الأدبية التي تصل إلى الدول العربية بمثابة النافذة للأدباء العرب على الحداثة والتعرف على الأدب العالمي واتجاهاته في ذلك العصر. أصدر في سنة 1919 مجلة السمير التي فتحت أبوابها للكتاب العرب التي بالإضافة إلى عنايتها بالإبداع العربي في أمريكا الشمالية أصبحت لسان حال الجالية العربية هناك، حتى تحولت في سنة 1936إلى جريدة يومية تمثل جسرا للوصل بين المغتربين وأوطانهم البعيدة، وبقيت كذلك حتى وفاة مصدرها في سنة 1957. يتميز شعر أبو ماضي برهافته وحبه للطبيعة والحياة الفطرية، ولكن حياته في مدينة نيويورك أورثته قلقا وجوديا أصبح يعبر عنه بنزعة صوفية تأملية، تحمل حنينا دافقا للماضي ولبلده الذي غادره صغيرا دون أن يغيب أبدا عن ذاكرته ووجدانه، وكذلك اهتم بالفقراء والمنبوذين وأصبح مدافعا عن حقوقهم في حياة أفضل، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الاجتماعية. على حبه اللا متناهي لوطنه اللبناني إلا أنه بقي مهتما بالقضايا القومية العربية وخاصة القضية الفلسطينية، وكتب شعرا يحاول فيه استنهاض الهمة العربية للدفاع عن فلسطين إبان نكبتها، ولعله كان أبرز المهجريين الذين اضطلعوا بها الدور. ويعد أبو ماضي ممن نبذوا الطائفية ووقفوا في وجهها ونادى بخصوصية العلاقة بين الإنسان وخالقه، واعتبر أن التعايش ممكن طالما فهم الإنسان حكمة الخالق وتمثل المحبة في تعامله مع نفسه ومع الآخرين، وأيضا حفز الإنسان على التفاؤل والثقة في أن عطاءه في هذه الدنيا لن يذهب سدى. خلف أبو ماضي وراءه ثلاثة دواوين شعرية والكثير من المقالات التي حفلت بالفلسفة والتأمل، ومثلت تراثا كبيرا للأدب العربي، من أشهر أشعاره وأكثرها عذوبة وتعبيرا عن تجربته الأبيات التالية: قال السماء كئيبة ! وتجهما *** قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما ! قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتــسم *** لن يرجع الأسف الصبا المتصرما !! قال: الليالي جرعتني علقما *** قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما فلعل غيرك إن رآك مرنما *** طرح الكآبة جانبا و ترنما أتُراك تغنم بالتبرم درهما *** أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟