موضوع: أعلام الحضارة - سبط المارديني .. صاحب المحبة الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 8:17 am
اعلام الحضارة
سبط المارديني.. صاحب المحبة
عمر هلسة - كان ظهور سبط المارديني في الثلث الأخير من القرن التاسع الهجري بمثابة استكمال ما بدءه علماء الفلك العرب قبله بعدة قرون، فتميز بعلمي الفلك والرياضيات وجمع حلل وأضاف الكثير لهذين العلمين وألف أيضاً في الطب والفقه والتفسير فكان عالماً ذو انجازات محكمة متينة. ولد محمد بن محمد بن أحمد بن الغزال أبو عبد الله بدر الدين المعروف بسِبْط المارديني في القاهرة سنة 867هـ/1462م لُقب بالمارديني نسبةً لجده عالم الفلك والرياضة والطب الدمشقي عبد الله بن خليل المارديني، وتوفي في القاهرة سنة 912هـ/1506م. تنقل سبط المارديني بين دمشق والقدس وحماة والقاهرة ومكة المكرمة دارساً لعلوم اللغة والدين، ثم عاد ليستقر في القاهرة بعد بضع سنين وتعلم الرياضيات والفلك والطب في مجالس علماءها ومساجدها إبان العصر المملوكي، وتخرج في جامعة الأزهر الشريف وله في علم الفلك أكثر من 35 مخطوطة موزعة على مكتبات العالم من أهمها مقدمة في علم الفلك والتحفة المنصورية في علم الميقات والفرق السنية في حساب النسب الستينية ولفظ الجواهر في معرفة الخطوط والجواهر وهداية الحائر لوضع فصل الدوائر ومقدمة في حساب المسائل الجيبية والأعمال الفلكية . عمل سبط المارديني موقتا للصلاة في الجامع الأزهر في مصر فكان فيها عمدة الموقتين، ونال العديد من الألقاب الدينية بسبب ذلك واستخدم الربع كأداة رصد بسيطة لضبط الوقت والاتجاهات والأوقات التي كانت معرفتها أمرا ملحا لإقامة الصلاة في حينها وتحديد القبلة في أي مكان ووقتما شاء وفي معرفة استخراج عرض البلاد والباقي والماضي من الليل من جهة أي كوكب ومعرفة الساعات والماضي والباقي منها وقياس ما يراد ارتفاعه عن سطح الأرض وغير ذلك مما وضعه في رسائله الفلكية. أجمل سبط المارديني في مخطوطته الطبية الوحيدة المسماة ''الرسالة الشهابية في الصناعة الطبية'' أعراض الكثير من الأمراض وكيفية علاجها وشرح فيها كتب من سبقوه وبين أعراض وعلامات مرض العشق وجاء فيها: ''وعلامته غؤور العينين وجفافهما إلا عند البكاء، وغلظ الجفن من كثرة السهر والأبخرة المتصاعدة إليه. ويعرف معشوقه بوضع اليد على نبضه وذكر أسماء وصفات، فإذا اختلف النبض عرف أنه هو'' فكان المارديني بذلك ملماً بعلوم النفس ومؤمناً بأن اعتلالها يؤدي إلى اعتلال البدن ولعل هذه الحقيقة لم تكن غائبة عن أطباء العرب الأقدم منه أمثال ابن سينا ولكن المارديني زاد في شرحها وتفصيلها ووضع فرضيات عديدة لكيفية علاجها. يستدل من كتب سبط المارديني على تمكنه الشديد من أصول الجبر والحساب وله من المؤلفات في العلوم الرياضية حوالي الثلاثة عشر كتابا من أهمها كتاب ''تحفة الألباب في علم الحساب'' والذي بقي من أشهر مراجع دارسي الحساب لقرونٍ طويلة وكان مجلسه العلمي في جامع الأزهر وجامع المارداني محط أنظار طلبة العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. يعد سبط المارديني من أواخر العلماء العرب المسلمين الذين أتيحت لهم فرصة التميز والنبوغ لما عاناه الشرق بعد ذلك من أزمات سياسية واجتماعية أدت إلى تراجع الحركة الفكرية والعلمية وتراجع حضارة عظيمة أثرت بعلومها العالم كله لأكثر من ألف عام.