موضوع: أعلام الحضارة - إبن خلدون الثلاثاء سبتمبر 09, 2008 8:51 am
اعلام الحضارة - ابن خلدون
عمر هلسة - من أعظم رواد الفكر العالميين الذي استمر أثرُ نظرياته وكتبه وآرائه في علم الاجتماع والتاريخ من بعده لقرونٍ طويلة، تتلمذ على أفكاره العشرات من علماء الاجتماع الأروبيين أمثال روسّو ونيتشه ومكيافيلّي وفيكو والكثيرين غيرهم. هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن خلدون، ولد سنة 732ه/1322م لأسرة أندلسية دخلت الأندلس بعد الفتح واستوطنت قرمونة ثم انتقلت إلى اشبيلية ومن ثم إلى سبتة ومنها إلى تونس حيث ولد ابن خلدون. حفظ القرآن الكريم في صباه وترعرع على حبّ الرئاستين: رئاسة السلطان ورئاسة القلم، درس الحديث والفقه والنحو وقرأ الكثير من كتب الأدب والشعر ثم انتقل لعلوم المنطق والفلسفة. بعد أن بلغ ابن خلدون الثامنة عشرة من عمره عزم على السفر إلى المغرب الأقصى ليواصل دراسته بعد أن حل بالبلاد وباء الطاعون وأهلك من الناس خلقاً كثيراً وذهب بأبويه ومعظم مشايخه. كانت الفترة التي ظهر بها ابن خلدون (القرن الثامن الهجري) من أكثر الفترات تقلباً وأشدها اضطراباً على الساحة السياسية في المغرب والمشرق، تعج بالانقلابات والحروب والاحتلال، فعاش حياته متنقلاً بين مدن تونس والمغرب والأندلس ومصر ما بين هاربٍ وأسيرٍ ومحرضٍ وعالمٍ ووزير. تقلب ابن خلدون في مختلف المناصب، ورافق السلاطين في شتى منازعهم وأطوارهم وشهد أحوال الأمم والشعوب والممالك، واضطرب مع السيّاسات خائضاً عبابها، متلوناً بألون هرمها وشبابها، وسار مع الدسائس البلاطية مداً وجزراً، ليكون بذلك أعظم سياسي ومفكر عرفته افريقيا والأندلس في القرن الثامن الهجري. في سنة 1374م انعزل ابن خلدون في قلعة ابن سلامة جنوبي اقليم قسنطينة، مكث فيها نحو أربع سنوات أنجز خلالها كتابه المشهور المقدمة . أتت مقدمة ابن خلدون كمحاولة نقد تاريخيّ وثورة على طريقة المؤرخين الذين يجمعون الأخبار من غير أن ينقدوا الروايات والخرافات، وتضمنت مجموعة كبيرة من النظريات الاجتماعية والسياسية لم يكن للعرب ممن سبقوه عهداً بمثلها وراعى ابن خلدون الموضعيّة في مقدمته فوصفَ الأحداث وأوجد القوانين التي تحكمها دون أن يُظهر شيئاً من ميوله وآرائه الخاصة. ركز ابن خلدون أحد رواد الفكر العالمي في آرائه على جانبين اثنين وهما فلسفة التاريخ وفلسفة الإجتماع أو العمران البشري، وانطلق بعدها ليخوض في علم الأجتماع الاقتصادي وعلم النفس السياسي وعلم النفس الاجتماعي. احتل مفهموم العصبية في نظريات ابن خلدون محلاً واسعاً خلص بعدها إلى أن تغلّب العصبية أساسٌ لقيام الدولة وأن العصبية أقوى ما تكون عند أهل البدو وإن وجدت في أهل المدن فهي ضعيفة، وجاء في مقدمته: إن صلة الرحم أمر طبيعي في البشر إلا في الأقل، ومن صلتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام لن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة، فأنّ القريب يجد في نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه... . وصل ابن خلدون إلى مصر سنة 1382م وكانت وقتها أكثر استقراراً من المغرب والأندلس لوجود الحكم المملوكي فيها، فاستوطن القاهرة يقضي بالمذهب المالكي وتصدر للإقراء بالجامع الأزهر وانصرف إلى التدريس والقضاء والمشيخة وعدّل على فصول مؤلفاته وعاصر الغزو المغولي على بلاد الشام وقام برحلات مختلفة إلى الحجاز والقدس قبل أن يتوفاه الله في القاهرة سنة 808ه/1406م.