تعرف العالم العربي على هذه القامة التاريخية الكبيرة عندما صدح صوت كوكب الشرق بكلمات قصيدته الشهيرة ''حديث الروح'' ليتعرف المستمعون على شاعر صوفي استثنائي يجمع في ثقافته تراثا واسعا من الوجود الإسلامي المتفاعل مع الروحانية الهندية والمعانق لأبعاد صوفية وإنسانية رحبة، إنه الشاعر الباكستاني محمد إقبال الذي دخل أجداده القريبون في كشمير إلى الإسلام ليصبحوا من مشايخه وعلمائه بعد رحيلهم إلى إقليم البنجاب الذي كان تابعا للهند في ذلك الوقت، وفي سنة 1877 ولد محمد إقبال لأسرة تعد من أرستقراطية المجتمع، ومكنته هذه الوضعية الاجتماعية المتميزة من الحصول على تعليم راق استطاع أن يتقن في اللغات العربية والفارسية والأردية وكذلك الإنجليزية التي كانت لغة البلد المستعمر، وأتقن الألمانية كذلك عندما سافر إلى ميونخ ليحصل منها على شهادة الدكتوراه في القانون. يصنف إقبال كمثقف من طراز رفيع، وعلاقته مع الثقافة العربية وطيدة فقد عمل على تدريسها لأربع سنوات في جامعة البنجاب، وكذلك حظي بتعليم في الفلسفة والاقتصاد ليمثل في شبابه نموذجا للنخبة الهندية المثقفة التي أدركت مشكلة صعوبة التعايش بين المسلمين والهندوس لوجود اختلافات جوهرية بين الثقافتين خاصة نفور المسلمين من نظام الطبقات الهندوسي وعدم رضاهم عن الكثير من الممارسات الغير إنسانية التي تمارسها الطبقات العليا في المجتمع الهندوسي على أبناء المنبوذين الذي تحول الملايين منهم إلى الإسلام ليفلتوا من قبضة الدونية التي تصمهم منذ الولادة. كان إقبال مولعا بالأدب والشعر ولكن ذلك لم يمنعه من الانصراف طويلا إلى السياسة التي عمل بها واستطاع أن يصبح رئيسا لحزب العصبة الإسلامية في الهند ويطلق دعوته الشهيرة بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس واستقلالهم بالولايات الهندية التي تشهد أغلبية إسلامية، هذه الدعوة التي استكملها بعد وفاة إقبال محمد علي جناح ليؤسس جمهورية باكستان سنة 1947 وكان إقبال هو الذي اختار هذا الاسم الذي يعني أرض الأطهار، لم يتمكن إقبال من مشاهدة حلمه يتحقق ولكنه بقي حيا في الذاكرة الباكستانية والإسلامية، حيث عمل في حياته على دراسة أسباب تخلف المسلمين واشترك في أكثر من مؤتمر عقد في دول عربية وإسلامية وأوروبية لمناقشة قضايا المسلمين وكان له دور كبير في صياغة رؤية لمشروع التحرر والتقدم الإسلامي، توفي أقبال الذي عانى من متاعب مادية وصحية كثير نتيجة عمله ونضاله المتواصل في ظروف صعبة سنة 1938 ولكن أشعاره ما زالت تتردد في كل مكان في باكستان كما أن تأثيره على العديد من الأدباء الهنود والعرب بقي واضحا لسنوات عديدة بعد وفاته، إلا أن ترجمته للعربية في صيغة عمودية قيدت الكثير من المعاني في شعره وغيبتها وراء الأوزان والقوافي التي كانت للغة وثقافة أخرى.