هذا جزء من بيت شعر لأبي نواس، فقد جرّب في الاوقات الصعبة عدداً من الناس فلم يسعوا لمساندته وتخلوا عنه فغضب وقال البيت التالي:. عليك باليأس من الناس. انّ غنى النفس في الياس. لقد علمنا ان هذا الحرف (إنّ) للتحقيق والتأكد، ومعنى ذلك فيما يرى البلاغي الكبير عبدالقاهر الجرجاني ''ان الانسان اذا كان يشك في الخبر، فانه يستعمل إنّ، قال (انك تحتاج اليها اذا حدث الظن او الخلاف وبها تعقد القلب على الاثبات او النفي، ولذلك تراها (إنّ) تزداد حسناً وجمالاً اذا كان الخبر بأمر ما يدخل ضمن الشك ولم تجر العادة به بل جرت بخلافه)، واستشهد ببيت ابي نواس السابق، والناس من طبيعتهم، الا يحملوا انفسهم على اليأس فهم يتأملون ويمنون انفسهم بالخير، فلما كان ذلك لزم حضور (إنّ) للتأكيد، وربما كان استعمال (إنّي) في سورة آل عمران مع مريم وامرأة عمران اذ قالت وهي آسفة ومحزونة ''قالت رب اني وضعتها انثى، والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى'' ؟ آل عمران آية 36. وربما كانت آية نوح عليه الصلاة والسلام من هذا الموقف ايضاً، قال نوح ''رب انّ قومي كذبون''، ولعل آية سورة الحج عن وصف الكافرين تدل ان الناس في شك فجاءت الآية بالتوكيد، ان الموقف افتقر او قل احتاج للنون لتؤكد المعنى، قال سبحانه ''يا ايها الناس ضرب مثلاً فاستمعوا له، ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له'' فهم يرون ان آلهتهم قد تأتي بخير، ولكن هذه العقيدة لا تلامس قلوبهم بعمق، فجاءت الآية الكريمة لتؤكد حالة الشك ''ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً'' بل هم اقل من ذلك ''وان يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه''. وانظر الى بيت ابي العلاء المعري، كان فيه ادعاء وتعاظم، والمعرى يعلم ان الناس تنظر الى معنى البيت فتجد فيه تعاظماً فاضطر لاحضار (إنّ) للتوكيد فقال:. اني وان كنت الاخير زمانه. لآت بما لم تستطعه الاوائل. ان هذا الاستعمال مطرد في لغة العرب، واغلب القول في شرحه انه لازالة الشك، ولذلك فرقوا بين قولين هما: يوسف قائم، وان يوسف قائم، الجملة الاولى تحمل معنى عادياً مما يتداوله الناس في عملهم ومجالسهم العادية، ولكن الثانية لازالة من يشك ان يوسف قائم، انه يظنه قاعدا، وعسى ان نتفهم شيئاً من لغتنا.