موضوع: حجة الإسلام - الغزالي الأربعاء سبتمبر 17, 2008 7:21 pm
حجة الاسلام .. الغزالي
عمر هلسة - من أعظم مفكري القرن الخامس الهجري ومن أعظم مفكري الحضارة بأسرها وتمثل آثاره مشروعاً فكريّاً متكاملاً، أخذ عنه كبار مفكري الغرب الشيء الكثير، هو محيي علوم الدين وحجة الإسلام وصاحب كتاب المنقذ من الضلال. ولد أبو حامد محمد بن أحمد سنة 450ه/1058م في مدينة طوس من أعمال خراسان، لقب بالغزَّالي نسبةً لحرفة والده الذي كان يجني قوته من غزل الصوف، ومن المؤرخين مَن علله نسبةً لمسقط رأسه قرية غزالة إحدى قرى طوس ومنها يكون لقبه الغزالي، بتخفيف الزين، نشأ الغزالي في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري ويعد من أشهر المفكرين الذين عرفهم التاريخ الإسلامي فكان واسع الأثر في الفقه والمنطق والجدل وعلم الكلام والزهد والتصوف وما زال علماء المسلمين يصغون إليه حتى يومنا هذا فاستحق لقب حجة الإسلام . درس أبو الحامد الغزالي الفقه والمذاهب والفلسفة في طوس وجرجان وتعلم الجدل والمنطق وأصولهما وأساليبهما في نيسابور على يد أستاذه الجويني إمام الحرمين ، وانتقل الغزالي إلى بغداد سنة 483ه ليتولى التدريس في نظاميّة بغداد بأمرٍ من نظام الملك وفي بغداد انشغل بالتفكير والتأليف في الفقه والكلام إلى جانب انشغاله بالتدريس وكان أكثر تعمقه في علم الكلام فصنف فيه وأكب على تحصيل الفلسفة من كتب من سبقوه من الفلاسفة ولم يكتفِ بالقراءة بل ألف خلال إقامته ببغداد تهافت الفلاسفة و مقاصد الفلاسفة و فضائح الباطنيّةِ وفضائل المستظهرية وهي من أهم الكتب التي أُلفت في علمي الفقه والكلام. انتقل الغزالي إلى الشام سنة 488ه وأقام بها في عزلة وخلوة قرابة العامين وكان معتكفاً في مسجد دمشق، يصعد المنارة طول النهار ويغلق بابها عليه ومن دمشق انتقل إلى بيت المقدس واعتكف في مسجد قبة الصخرة المشرفة فكان كل يوم يدخل الصخرة ويغلق بابها على نفسه وظل كذلك حتى سار إلى الحجاز مؤدياً فريضة الحج وجذبه الحنين بعدها إلى مسقط رأسه طوس فشد الرحال إليها وأقام بين عياله موجهاً فكره في تأليف الكتب وكان من أهم نتاج هذه الفترة من حياة الإمام الغزالي والتي استمرت لأكثر من عشر سنوات كتاب إحياء علوم الدين والذي جاء به على لسان الغزالي: ليست الطهارة نظافة البدن بإضافة الماء وإلقائه وتخريب الباطن وإبقائه مشحوناً بالأخباث والأقذار... وليست الصلاة تحريك اللسان بالكلام والجسم بالركوع والقيام بل بفهم المعاني وتصقيل القلب وتجديد ذكر الله ورسوخ عقد الإيمان وحضور القلب . لم يكن الغزالي فيلسوفاً بالمعنى المعروف لهذه الكلمة، لأنه حارب الفلاسفة ونبذ الفلسفة بل هو في الدرجة الأولى محيي علوم الدين وكان مرجعه الأول والآخر في مؤلفاته القرآن والحديث ويظهر من كتاب تاريخ الفلسفة العربية ومن كتاب مرغرت سميث الغزالي المتصوف تأثره بأقوال التوراة والإنجيل ورسائل القديس بولس ولكنه ظل في جميع مؤلفاته ضمن نطاق السنة والإسلام ولم تكن هذه العناصر التي استقاها من خارج الإسلام إلا وسائل غايتها إحياء الدين الاسلامي الصافي وصور نيرة تعين طريق النفس إلى الله ولعل الأخلاق الإسلامية والأخلاق المسيحية أكثر ما تتلاقى عند الغزالي. توجه الغزالي سنة 499ه إلى نيسابور ليعود إلى التدريس قاطعاً عزلته بأمرٍ لزامي من السلطان محمد أخو بر كياروق، وبعد سنتين اعتزل التدريس مرة أخرى وعاد إلى طوس متخذاً مدرسة للفقهاء بالقرب من داره إلى أن توفاه الله فيها سنة 505ه/1111م وله من العمر أربع وخمسون سنة.