موضوع: أعلام الحضارة - الزهراوي ..أبو الجراحة الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 8:31 am
اعلام الحضارة - الزهراوي .. أبو الجراحة
عمر هلسة - هو مؤسس علم الجراحة في العالم أجمع وهو أول من فصل الجراحة عن الطب وجعل اتقان علم التشريح أساس اتقانها واستحدث العديد من الأدوات المستخدمة فيها وطرق إجرائها وبقيت آثاره الطبية المنهج العلمي الأساسي لدارسي الطب ومتخصصي الجراحة لأكثر من ثمانية قرونٍ بعد وفاته لسيتحق بذلك لقب أبو الجراحة وبشهادة علماء الغرب والشرق. ولد أبو القاسم خلف بن عباس المعروف بالزهراوي في مدينة الزهراء في قرطبة حوالي سنة 324ه/936م وكرس حياته وكل إبداعه لتطوير علوم الطب والجراحة، ولم يورد المؤرخون عن سيرة حياته الكثير كما أوردوا عن إنجازاته وأعماله ومؤلفاته لأن أغلب ما كُتب عن حياته اندثر مع سقوط الزهراء عاصمة قرطبة سنة 1011م ومن القليل الذي وصلنا عن سيرته بأن كان الزهراوي طبيب الخليفة عبد الرحمن الثالث المعروف بالناصر وطبيب ابنه الحكم الثاني المعروف بالمستنصر وكانت وفاته في الزهراء سنة 404ه/1013م. ألف الزهراوي في الطب والجراحة كتابا واحدا يضم ثلاثين مجلدا وكان بمثابة خلاصة خبرة أكثر من خمسين عاماً في مزاولة مهنة الطب والجراحة ويعتبر أثره اليتيم التصريف لمن عجز عن التأليف موسوعة حقيقية في الطب وطب الأسنان والجراحة والصيدلة جمع فيها أمراض عصره وزاد عليها الكثير من خبراته كإكتشافه لمرض نزف الدم الوراثي الهيموفيليا وعرف مرض السرطان ولعله أول من شخصّ هذا المرض تشخيصاً دقيقاً وأول من أسماه بهذا الإسم فجاء في كتابه: ... والسرطان إنما سُمِّيَ سرطانًا لشبهه بالسرطان البحري، وهو على ضربين: مبتدئ من ذاته، أو ناشئ عقب أورام حارة.. وهو إذا تكامل فلا علاج له ولا برء منه بدواء البتة إلا بعمل اليد الجراحة أو الكي إذا كان في عضو يمكن استئصاله فيه كله بالقطع.. والسرطان يبتدئ مثل الباقلاء ثم يتزايد مع الأيام حتى يعظم وتشتد صلابته، ويصير له في الجسد أصل كبير مستدير كَمَدُ اللون، تضرب فيه عروق خُضر وسُود إلى جهة منه وتكون فيه حرارة يسيرة عند اللمس... وصنف الزهراوي أنواع السرطان وأسماها بأسماء الأعضاء التي يصيبها فعرف سرطان العين والحنجرة والرئة والكلى والكبد وغيرها الكثير وتكلم عن مبادئ وطرق علاجه فأضاف في ذات الفصل من كتابه: ... متى كان السرطان في موضع يمكن استئصاله كله كالسرطان الذي يكون في الثدي أو في الفخد ونحوهما من الأعضاء المتمكنة لإخراجه بجملته ،إذا كان مبتدءاً صغيراً فافعل. أما متى تقدم فلا ينبغى أن تقربه فاني ما استطعت أن أبرىء منه أحداً ولا رأيت قبل غيري وصل إلى ذلك ... . فصّل الزهراوي في كتابه الأعراض المبكرة والمتقدمة للأمراض وأسباب حدوثها وطرق انتقالها وعلاج كل منها على حدة وضمن في خانة العلاج اسم الدواء وطريقة تصنيعه وشكله الصيدلاني والجرعة الشافية وطريقة إعطائها وهو أول من قدم وصفاً دقيقاً لعملية تصنيع أقراص الأدوية عندما كتب : على لوح من الأبنوس أو العاج يُعدُّ ثم يُنشر إلى نصفين طولاً، ثم يُحفر في كلِّ وجه قدر نصف القرص، ثم يُنقش على قعر أحد الوجهين اسم القرص المراد صنعه مطبوعاً بشكل معكوس، ليكون النقش مقروءاً عند خروج الأقراص... وعرف المسكنات والمقيئات والمسهلات وكان يصرف أدويةً للقلب وللمعدة والخرف ليكون كتابه بحق موسوعيّاً شاملاً صنوف علم الطب والأمراض وعلم الأدوية والصيدلانيات. خصص أبو القاسم الزهراوي مجلد التصريف الأخير لعلم الجراحة وشرح فيه كيفية إجراء عمليات الأنف والحنجرة والعين والولادة المتعسرة واستئصال الغدة الدرقية والفكين وهو أول من استعمل الخياطة التجميلية تحت الجلد، وأول من استعمل الخياطة بإبرتين وخيط واحد وتم ترجمة هذا المجلد إلى اللغة اللاتينية في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي أي بعد وفاة الزهراوي بسنوات قليلة، وصدر منه عدة نسخ واحدة في البندقية سنة 1497م، وثانية في بازل سنة 1541م وثالثة في أكسفورد سنة 1778م. كان الزهراوي طبيباً عالماً وجراحاً بارعاً وإنسانيّاً مع مرضاه بالدرجة الأولى وكان يعتبر تلاميذه بمقام أبنائه وشدد على ذلك في كتاباته، وكان يعلمهم احترام مرضاهم بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية وعرف عنه إصراره على المعايير الأخلاقية ليكون انموذج الطبيب المثالي الصالح لكل الأزمنة والعصور.
الثلاثاء سبتمبر 16, 2008 8:31 am