الثاني عشر من رمضان 597 هجرية - أبو الفرج بن لجوزي
كاتب الموضوع
رسالة
البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
موضوع: الثاني عشر من رمضان 597 هجرية - أبو الفرج بن لجوزي الجمعة سبتمبر 12, 2008 10:01 am
الثاني عشر من رمضان 597 هجرية - أبو الفرج بن لجوزي
سيبقي اسم ابن الجوزي علامة بارزة في تاريخ العلوم الشرعية الإسلامية، فقد ترك للمكتبة الإسلامية العشرات من المصنفات ونقل عنه الرواة الكثير من المواقف والمقولات التي وضعته في مرتبة متقدمة في اهتمامات الدارسين للعلوم الشرعية الذين ما زالوا وبعد ثمانية قرون من رحيله يعتبرونه مرجعا محكما في دراستهم، وينهلون من إسهامه العلمي الجزيل، وأصبح اسمه دائم الحضور في كتب الفقه والدراسات الإسلامية، فيندر وجود كتاب لم يرد فيه ذكره في المتن أو الهامش، وتكثر المسائل التي يستشهد فيها بعلمه وآرائه. ولد ابن الجوزي في بغداد سنة 510 هجرية في وقت كانت الخلافة العباسية تلفظ آخر أنفاسها وتدخل في طور الانهيار، وتراجع اهتمامها برعاية العلوم ومساندة العلماء، لذلك كان الفتى الذي تيتم في سن الثالثة ليعيش في كنف عمته يحظى بفرصة نادرة للحصول على العلم على يد الشيخ محمد بن ناصر الحافظ الذي رعاه منذ نعومة أظفاره فحفظ على يديه القرآن الكريم وتعلم الحديث الشريف، وبقي يعيش في كنفه لثلاثين سنة، انصرف خلالها إلى تحصيل العلم في التاريخ والسنة والفقه واللغة وعلم الكلام، وبقي على عاداته البسيطة التي حببته في المعرفة وصرفته عن الدنيا فعاش زاهدا متقشفا بعيدا عن مجالس الأمراء، برغم ما أوتي له من شهرة ومكانة بين علماء العراق، فبقي متعففا في الهدايا والأعطيات مما زاد في هيبته ورفعه في أعين الناس. كانت العبادة تمثل له غاية من حياته، فكان يختم القرآن مرة في كل أسبوع ولا يخرج من بيته إلا إلى المسجد أو مجالس العلم يلقي الدروس أو يأخذها عن كبار العلماء والفقهاء مثل أبو منصور الجواليقي و أبو القاسم الحريري وابن خيرون، وكان مجلسه الوعظي يمثل حدثا مميزا حيث وصل حضوره في كثير من الأيام إلى أكثر من عشرة آلاف رجل يتقدمهم الأمراء والوزراء، وكان ينشغل في مجلسه بتفسير القرآن وتبيان أسباب النزول والحكمة من كل آية قرأها، وذلك بأسلوب يسير يعمل على إعمال ملكة التفكير في العقول واستنهاض الإيمان في النفوس. ولم يكتفي ابن الجوزي بذيوعه كواعظ وخطيب بل انصرف إلى العلم النظري وترك أكثر من ثلاثمائة كتاب ورسالة في مختلف العلوم الشرعية، مما جعله موضع ثناء واتفاق بين المؤرخين وكتاب السير، فيصفه ابن كثير بشيخ العراق وإمام الآفاق، وقال عنه ابن جبير آية الزمان، وقرة عين الإيمان، رئيس الحنبلية، والمخصوص في العلوم بالرتب العلية، إمام الجماعة، وفارس حلبة هذه الصناعة، والمشهود له بالسبق الكريم في البلاغة والبراعة من أهم الكتب التي وضعها ابن الجوزي كتاب صيد الخاطر والناسخ والمنسوخ في الحديث وأخبار النساء وتلبيس إبليس والثبات عند الممات والجليس الصالح والأنيس الناصح وحسن السلوك في مواعظ الملوك وذم الهوى وصفوة الصفوة و كتاب الحمقى والمغفلين وأيضا كتابه الكبير المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. وكان إلى ذلك شاعرا كبيرا يتميز شعره بالجودة والجزالة على خلاف السائد في عصره من إمعان في الزخرفة والشكل على حساب المعنى، وكان شعره استكمالا لنهجه في الوعظ والخطابة يحث على الفضيلة والإيمان والزهد ويبتعد عن الأغراض التقليدية للشعر في ذلك العصر، فلم يوجه شعره لمدح أو هجاء وإنما تمسك بمكارم الأخلاق وحث عليها. توفي الشيخ ابن الجوزي في الثاني عشر من رمضان سنة 597 هجرية بعد حياة حافلة بالعطاء وكان يوم وفاته من أيام بغداد المشهودة فأغلق التجار أبواب محلاتهم وخرج في جنازته معظم سكان المدينة، بما يدلل على المكانة التي استطاع هذا العالم الزاهد أن يحوزها في قلوب الناس، بينما بقيت مؤلفاته تمثل نورا مضيئا في تاريخ الإسلام.
منقول
الثاني عشر من رمضان 597 هجرية - أبو الفرج بن لجوزي