موضوع: الصوم منهج حياة (5) - الصوم يعالج معوقات التغيير الأربعاء سبتمبر 10, 2008 8:17 am
الصوم منهج حياة (5) - الصوم يعالج معوقات التغيير
د. محمد سعيد حوى - بالتأكيد ليس كل تغيير مطلوب، انما المطلوب حقاً التغيير الايجابي، ومعالجة السلبيات واحداث تطور وتقدم والارتقاء: روحياً، علمياً، صناعياً والافادة من وسائل العلم ومستجداته، وتطوير كفاءة طالب علم او مدرس او معمل صناعي، لكننا نجد انفسنا احياناً نسعى الى التغيير لمجرد التغيير حتى ولو كان لا يعطي نتائج افضل. مثال ذلك: درج علماؤنا السابقون على تدريس بعض علوم الشريعة من خلال القراءة النصية وشرحها فجاء من يزعم ان هذه طريقة متخلفة ومن غير اطالة - الغيت هذه الطريقة - ولكننا لم نستحدث وسائل اكفأ ولو كان التغيير ان تجمع بين الطريقتين لكان امثل. ويزعم البعض انه لا ينبغي ان نحشو ادمغة طلبتنا بالمعلومات وعلينا ان نوجههم نحو التحليل والنقد والحوار فأخذنا نلاحظ وجود من يحارب فكرة تحفيظ القصائد الشعرية او حتى كتاب الله كمقرر دراسية الزامي. والنتيجة جيل فارغ (الا ما رحم ربي) من ادوات الثقافة واللغة العالية، ولو جمعنا بين الطريقتين لكان اجدى، بل يجب. اقول هذا لاننا نلاحظ ان هناك من يتعسف في الحديث عن التغيير ومن يكون سبباً في احداث خلل او معوقات او ايجاد مقاومات للتغيير. فلا بد من البعد عن مثل هذه السلبيات ومع ذلك فهناك من يقاوم التغيير الايجابي بلا علم ولا دليل بل مستنداً الى موقف خاطئ. فكيف يمكن لمدرسة الصوم ان تمنع حدوث التغيير الخاطئ او كيف يمكن ان تزيل عقبات احداث التغيير الايجابي. يذكر المختصون ان من مقاومات وعقبات التغيير:. - العادات والتقاليد، وهذا من اكثر الاسلحة التي استخدمها الكافرون لمواجهة دعوة الانبياء. - ودعوات الانبياء انموذج للتغيير الارقى والاتقى والاشمل. ونحن نلاحظ ان الصوم يكسر العادات ويغير رتابة الحياة حتى برنامجك العبادي يمكن ان يحدث فيه تغيير. من معوقات التغيير:. -الخوف على المصالح المادية، والصوم يرتقي بالانسان ويزكي نفسه ليوجد فيه حب التضحية والاستعداد والاستعلاء فوق شهوات النفس وانانيتها. -واذا كان من عقبات التغيير كونك لست فاعلاً فيه ولا مشاركاً فتجد في نفسك رفضاً له فان الصوم يجعل الامة كلها مشتركة في عمل ورسالة وهدف وحركة واحدة. -واذا كان الخوف على العلاقات الشخصية من معوقات التغيير فالصوم يرتقي بهذه العلاقات. -واذا كان التغيير قد لا يكون مقنعاً، فتجد نفسك ترفضه، فان الصوم مدرسة في ايجاد معنى وحقيقة التغيير واثاره الايجابية في النفس ليجعلك اكثر اقتناعاً بالتغيير. وكثيرون لا يرغبون بالتغيير، لانه يجهل الآثار الايجابية او لا يلمسها بشكل مباشر، لكن الصوم يقدم لك صورة لما يحدثه التغيير من آثار ايجابية مباشرة. وهناك من يرفض التغيير كونه محل معارضة ذوي النفوذ والقرار ولكن الصوم يعلمك كيف تكون علاقتك مع الله هي الاقوى، وعبوديتك له هي كل شيء فتتجاوز الخوف والرهبة من البشر وتندفع نحو الحق بحق وصدق. واذا كان البعض يحذر من التغيير خوفاً من عدم التكيف مع الواقع الجديد، منها هو الصوم يعلمك كيف تحدث هذا التغيير وكيف يكون التكيف ممكناً. واذا كان البعض يأنس ويرتاح لواقعه ويظنه مثالياً فلا يرغب بالتغيير، فالصوم يعلمك انه قد يكون هناك واقعاً ارقى وامثل نجرب. واذا كان البعض ربما يقع في الاحباط نتيجة الفشل المتكرر فيرفض التغيير لكن الصوم مدرسة في استمرار المحاولات والثبات وعدم اليأس، فهو يتكرر في كل عام ولا ينتهي اثناء العام من خلال النوافل والتطوع. وان من يرفض التغيير قد يتذرع بأمور فنجد في الصوم علاجاً له. فالصوم يعلمنا كيف نفهم الحكمة والهدف من اعمالنا وكيف نفيد منه في تحقيق آثار ايجابية فعالة، وان الصوم وان كان تغيير فهو يبني ولا يهدم وان الصوم وان كان امتناعاً وظاهره سلب بعض الطاقة لكنه مفجر للطاقات بما يؤديه من دور ايجابي في الارتقاء الروحي والمعنوي والصوم يقدم دليلاً عملياً ان احداث التغيير في حياة الانسان لا يكون سبباً في تخريب المنجزات السابقة بل في تثبيتها وتوجيهها وقد يحتج البعض لرفض التغيير بأنه مثالي او ليس وقته او سيسبب اشكالات وبلبلة او فلنجرب في نطاق ضيق. وتأتي مدرسة الصوم لتقول اقدم على التغيير الايجابي، فما قد تراه غير واقعي بالتجربة والاختبار يتبين لك ذلك، ما قد تجده في غير وقته لعله في وقته، ولماذا تجعل التجربة في نطاق ضيق، ان الصوم احداث انقلاب كامل في البشرية دفعة واحدة. لو اقترح الصوم على بعض الناس كعلاج لجاء من يقول مثالي في غير وقته، لنجرب تجارب محدودة لكنه ومع كونه امراً الهياً نتجاوز هذه الاعتذارات لنتعلم منه كيف نواجه الاعتذارات في حياتنا اذا كانت في غير مكانها. والصوم يقول لك: لست محل تجارب انت ايها الانسان، ولكن انت بحاجة الى معالجات وارتقاء وبحث مستمر فيما هو الأفضل فلست كاملاً ومن شأنك التغيير والتحول. وهكذا.. كلما تعمقنا اكثر في علم الادارة والاجتماع والتغيير نجد ان للصوم دوراً عظيماً في ذلك والحق يقال ان هذا شأن العبادات كلها.