البلد : نقاط : 200510 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: قرأت لك - نصف صديق الأربعاء أكتوبر 28, 2009 3:42 pm | |
|
قرأت لك - نصف صديق
كان في الازمان السابقة وقبل ظهور السيارات تاجر غني له ابن يتعلم في المدرسة وقد عقد هذا الابن صداقات كثيرة مع فتيان من جيله حتى بلغوا اكثر من خمسين صديقا ولما كبر هذا الشاب زاد عدد اصدقائه ثم فكر ان يقلد والده في تجارته الناجحة فوافق والده وفتح له محلا تجاريا كبيرا مجهزا بالتلفون والعمال وصارت تجارته رائجة اكثر من ابيه هذا الرجل التقي الورع الذي لا يترك فرضا واحدا طوال حياته من صلاة وتعبد وتدين، ولان هذا الشاب نجح بتجارته كثيرا نظر اليه اصدقاؤه نظرة حسد وحقد فدبروا له مكيدة لهلاكه فجاءوا الى محله فرحب بهم كثيرا وكان اسم هذا الشاب الطيب جميل وطلب الاصدقاء منه ان يشاركهم في يوم عطلته الاسبوعية يوم الجمعة في رحلة الى احد المتنزهات الجميلة فحاول الاعتذار قائلا لقد اصبحت رجلا تقيا لا اقطع أي فرض في صلاة ولا تستهويني حياة اللهو لكنهم اصروا عليه والحوا كثيرا حتى قبل دعوتهم مرغما. وفي ذلك الوقت القديم وقد حدثت هذه الحكاية في دمشق كما يقول مؤلف كتاب ذكرى حياتي الفنان عبدالرؤوف منكو كانت عربات الخيل يطلق عليها اسم الحنطور والعملة المتداولة هي التركية والذهبية من ليرات العصملي والرشادي والمجيدي فقد ارسل اليه اصدقاؤه الحنطور لاحضاره الى المتنزه وعندما وصل التاجر جميل الى مكان تجمعهم وجد انهم قد جهزوا مائدة ضخمة على شرفه وكان معهم الصبايا وزجاجات من الخمر فاستقبلوه فرحين وبدأوا بالاكل والشرب والمزاح حتى شاركهم جميل ذلك رويدا رويدا وبعد ساعة صار جميل يفكر وينظر الى حياته السابقة ويقول هامسا اين كنت مختبئا كل هذه الفترة فقد اعجبته الرحلة تلك واخذ يغازل الصبايا وقد كلفت مائدة الطعام هذه اربع ليرات ذهبية واصر جميل ان يدفع الحساب هو وليس اصدقاؤه فدفع خمس ليرات ذهبية وفي الاسبوع التالي دعاهم جميل الى رحلة اخرى مماثلة على حسابه الخاص وهكذا ظل يدعوهم كل اسبوع لعدة اشهر حتى لم يعد أي شيء من البضاعة في محله الا العنكبوت ولم يعد يملك قرشا واحدا فقد خسر كل شيء وتراكمت عليه الديون. بعد ذلك ذهب جميل الى المقهى ووجد معظم اصدقائه هناك يلعبون الشدة والدومة وطاولة الزهر والشطرنج وفوجئ اصدقاؤه بمنظره وحاله الكئيبة فسألوه عما به فقال اريد ربع مجيدي لاشتري به طعاما فأخذوا ينظرون اليه بشك وحذر واهمال لكن احدهم تقدم اليه مشفقا واعطاه ربع مجيدي وذهب جميل الفقير الى السوق واشترى بربع المجيدي نصف كيلو لحم ويذهب الى المتنزه الذي كان يجلس فيه هو واصحابه سابقا واشعل نارا وأخذ بشواء اللحم ومعه رغيفا من الخبز لكنه نسي ان يحضر معه البصل فذهب الى مجموعة من المتنزهين بالقرب منه لاحضار بعض البصل والملح واثناء ذلك أتى طير من السماء والتقط خاطفا اللحم والرغيف وطار مبتعدا ورجع جميل حزينا مهموما الى اصدقائه ويسالونه عما به فحدثهم وحكى لهم قصته مع الطائر الذي خطف الطعام فتعجبوا من ذلك وظنوا انه يكذب فهل من المعقول ان طيرا يحمل لحما وخبزا ويطير بهما وظنوا انها حيلة من جميل كي يطلب منهم مرة اخرى ربع مجيدي. ورجع جميل الى داره مكسور الخاطر وهنا يساله والده العجوز بذكاء وقد عرف ما آل اليه مصير ابنه من تغير واختلاف واهمال في تجارته وصحته وحياته وكان سؤال الوالد هو كم صديق لك يا جميل؟ جميل: مائة صديق وانت يا والدي كم صديقا لك الوالد يجيب لي نصف صديق فقط وهنا يستغرب جميل من ذلك قائلا انا لي مائة صديق وانت لك نصف صديق فقط ويبتسم الوالد العجوز والذي اصبح متقاعدا لا يعمل في التجارة فقد كبر في العمر كثيرا ثم يقول لابنه جميل هات ورقة وقلم واكتب ما يلي: حضرة نصف صديقنا العزيز حفظه الله ان املاكنا قد حجز عليها وحالتنا يرثى لها ونظرك كفاية. ويضع والد جميل اسمه وتوقيعه على الورقة ويطلب من ابنه جميل ان ياخذها ويذهب بها الى بيروت ليعطيها الى صديق والده الذي قال عنه انه نصف صديق وعندما اهتدى جميل الى مكان هذا الرجل اعطاه الورقة رحب به الرجل كثيرا ونام ليلته عنده واكرمه وفي اليوم التالي اخذ نصف الصديق هذا يقسم بضاعته الموجودة لديه في متجره الى قسمين وكذلك نقوده قسمها الى نصفين واعطى كل ذلك الى جميل وحمل له البضاعة على جمال مستاجرة وسافر جميل عائدا الى والده في دمشق واثناء ذلك كان جميل مشدوها محتارا ومندهشا من عمل صديق والده واخذ يتساءل بينه وبين نفسه عما فعل والده لهذا الصديق حتى اخلص له كل هذا الاخلاص وصار جميل ايضا واثناء رحلة العودة يسائل نفسه ويعاتبها انني قد صرفت كل مالي على اصدقائي ولا احد وقف بجواري في وقت محنتي وعندما وصل الى والده قال له كيف وجد نصف صديقه فحكى له انه قسم نصف بضاعته ونقوده وقال والده والبضاعة اين صارت انزلت الى السوق فقال جميل نعم يا ابي وسوف انتبه هذه المرة لنفسي ولاصدقائي جيدا فقال الوالد ارجو ذلك يا جميل فالحياة تجارب. وهكذا بدأ جميل باعادة فتح متجره مرة اخرى ولو ببضاعة قليلة وما بين جد ونشاط وتوقد ذهن واعتماد وخشية من الله وتوبة نصوح فقد وفقه الله وعادت امواله بعد عدة شهور كما كانت وقت غناه وتنعمه. وجاء اليه اصدقاؤه القدامى فرحب بهم واشربهم الشاي والقهوة وابلغهم انه يدعوهم غدا الى حفلة غداء فاخرة في بيته. ذهب الى امه وابلغها انه يريد ان يعزم اعز اصدقائه فقالت امه اما تبت يا بني فقال جميل ارجوك يا امي واحضر من عموم الخضار والفواكه وقامت امه بعمل الكبة بدون حشوة اللحم والبصل كما طلب منها وذهب جميل الى محله وقال لاصدقائه جميعا تفضلوا على الغداء وفي يوم الغداء وقبل ان يتناول ضيوفه الطعام طلب اليهم الاصغاء الى كلمة يلقيها عليهم وكانت كما يلي: لقد احضرت خاروفا وبينما كانت امي تدق اللحم في الجرن جاء طير وخطف اللحم مع الجرن والمدقة بينما ظلت الكبة بدون حشوة، هنا صار كل واحد من اصدقائه يتحدث فقال احدهم هذا الامر صار مع اختي وقال اخر هذا حصل مع بنت عمي وقال اخر صارت مع عمتي وقال الرابع هذا حصل مع ستي والخامس قال صارت مع حماتي فقال لهم جميل لما قلت لكم الطير خطف رغيفي ولحمة الشواء قديما لم تصدقوني لانني كنت في تلك اللحظة فقيرا اما الان فكيف اصدقكم فكل مالي صرفته عليكم وقت الرخاء ولما فقرت تخليتم عني .. يللا قوموا غربوا عن وجهي لانكم لستم اصدقاء بل انتم اصدقاء السوء وانا لست بحاجة لهكذا اصدقاء منافقين طماعين انا جميل الذي صرف كل دراهمه عليكم لما احتجت اليكم تخليتم عني يا للخسارة وصدق من قال احذر صديقك الف مرة وعدوك مرة واحدة.
منقول
| |
|