البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: البكاء بين الحيوان والإنسان الإثنين فبراير 02, 2009 2:52 pm | |
|
البكاء بين الحيوان والإنسان
عادل محمد علي الحجاج
هناك سحلية تعيش في صحارى كاليفورنيا الأمريكية والمكسيك تعرف بالضفدعة ذات القرن أو الفرينوزوم - Phrynosome وهي بالطبع ليست ضفدعة حقيقية بل هي من السحالي المسالمات، كل ما تطلبه هو أن تترك وشأنها، ولكنها تتهيج بشدة إذا ما أزعجت، ويقال أنها تسكب دمعاً من الدم، وهذا صحيح إلى حد يدعو إلى العجب، فإذا ما أثيرت كثيراً فإن الدم يندفع من رأسها، وتحتقن جفونها لدرجة أنها تنتفخ إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف حجمها الأصلي، ثم يتدفق سيل رقيق من الدم من تحت جفنها العلوي ! مثل هذا النزف سطحي ويحدث في أحوال شاذة جداً، ولعلنا لا نعجب إذا كانت طريقة البكاء الباهظة التكاليف هذه فريدة في نوعها، وهي تقابل جزئياً التهاب عين الإنسان بحمرة الدم إذا ما غضب، كما أنها تلقي من بعد بعض الضوء على البكاء. وقد ورد في كتاب تشارلس داروين (التعبير عن الانفعال) بعض الحقائق بخصوص بكاء بعض القردة والفيل الهندي، وهناك حالات أخرى معروفة، بخلاف ((دموع التماسيح))، التي يبدو أنها أمر مبالغ فيه ويذكر العالم في التاريخ الطبيعي الاسكتلندي جون آرثر تومسون (1861- 1933) حول هذا الموضوع قائلاً: ومن التجارب المألوفة أن انهمار الدمع قد يعقب رائحة نفاذه، أو ضربة، أو وجود حبيبات مهيجة في العين، أو التعرض للبرد الشديد، أي بالاختصار مؤثرات عظيمة الاختلاف، والذي يحدث عندئذ هو إفراط في الإفراز العادي للغدة الدمعية، التي تنحصر وظيفتها العادية في ترطيب سطح العين (الملتحمة). وتخرج دموعنا من قنوات عديدة موجودة في السطح الداخلي للجفن العلوي، وبعضها تحتجزه فتحة صغيرة في الجفن الأسفل، ويمر من خلال الكيس الدمعي إلى الممرات الأنفية، أما البعض الآخر فيفيض كما نعرف جميعاً، ويتدحرج هابطاً على وجناتنا. ان الإفراز الزائد للدموع عند البكاء قد يجلي العينين، وهذا نافع دائماً، حتى لو كان فيه إضفاء طابع سار على شيء محزن. كما أن الدموع تفيد الأنف، إذا تزيد حساسية الشم، وعلاوة على هذا فإن إفراز الدموع الزائد يعمل مسكناً للتغيرات التي تحدث في ضغط الدم، وفي مجموعة العضلات الموجودة في منطقة العين وغددها. ان كثيراً من الرجال الأقوياء يبكون بغزارة عند مشاهدتهم أو سماعهم رواية هزلية، حتى لو كان ذلك استجابة لمؤثرات متباينة تماماً. ونشاهد أناساً يضحكون حتى تنهمر الدموع غزيرة على وجناتهم، وان في دموع الفرح شيئاً يكاد يكون طاهراً ومقدساً. ويبكي الأطفال الرضع بكاءً صوتياً، وذلك قبل أن يسكبوا دمعة واحدة بوقت طويل، وقد وجد داروين أن السن المألوفة للبكاء الحقيقي الأول لصغار الأطفال هو حوالي ثلاثة أشهر. وقد يعبر انسكاب الدمع في الطفولة المبكرة عن الألم والضيق، ولكنه غالباً ما يكون مصحوباً بنوبة من الصياح التي تعبر عن ثورة الطفل لعدم قدرته على تحقيق إحدى رغباته. وقد ميز داروين بعض الثدييات كالقردة والأفيال بالقدرة على إفراز الدموع الغزيرة لكنه كان يعتقد أن هذه القدرة لا تتوافر لدى القردة الشبيهة بالإنسان ، وقد أيدت المشاهدات الحديثة هذا الرأي، فقال العالم كوهلر صراحة في كتابه الرائع عن ((عقلية القردة الراقية))، أنه لم ير واحدة تبكي أبداً فهي بلا شك تعبر عن الحزن، ولكن هذا الحزن لا تصاحبه الدموع وان كون البكاء يحتاج إلى بعض التدرب والممارسة عند الأطفال الصغار، يتفق مع النتيجة التي انتهى إليها داروين، وهي ان هذه العادة لابد ان تكون قد اكتسبته منذ الوقت الذي تفرع فيه الإنسان من الجد الأصل المشترك للانسان، والقردة غير الباكية الشبيهة بالإنسان. ويبكي بعض الناس بسهولة أكبر كثيراً من غيرهم، كما يلاحظ بين الجنود والبحارة والطيارين عندما يكونون في مواقف عصيبة ومحرجة، ولكن هذه مسألة معقدة. ولدى ذوي المزاج الانفعالي استعداد أكبر للبكاء، ولكن هذا الاستعداد يمكن تعويضه بالتعود على ضبط النفس. وفي رأي داروين أن أصل البكاء في الطفل يرجع إلى ضيق في أوعية العين الدموية نتيجة للصياح الطويل، الذي قد يكون راجعاً إلى الألم أو الجوع أو ما شابه ذلك، ويصاحب الضيق في أوعية العين الدموية تقلص في العضلات المحيطة بالعين وغير ذلك من التأثيرات التي ينعكس فعلها على الغدد الدمعية فتثير إفرازاً زائداً في الدموع. وتبعاً لهذا الرأي، يكون الصياح (البكاء بغير دموع) أولياً، أما البكاء بدموع فنتيجة ثانوية، وربما لم يكن للبكاء المصحوب بالدموع فائدة فسيولوجية كبيرة، إذ أن كلامنا عن ((الدموع التافهة))، لا يخلو من مبرر، ومع ذلك فقد وجد له مبرر بين جميع الأجناس بوصفه صماماً للأمن يقلل من تراكم الأحزان، وقد يسكن الألم بالفعل.
الجمعية الأردنية لتاريخ العلوم
| |
|