موضوع: قرأت لك - العقل زينة السبت يناير 10, 2009 12:03 pm
قرأت لك - العقـــــل زينــــة
هناك من قال ان العقل هو جوهر لطيف يفصل بين حقائق المعلومات، وان محله هو في الدماغ لكن هناك طائفة اخرى تقول ان محله هو في القلب لأن القلب معدن الحياة ومادة الحواس. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: العقل نور في القلب يغرق بين الحق والباطل.. وقال الله سبحانه وتعالى :''أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب''. وقيل في منثور الحكم: من طال عمره نقصت قوة بدنه وزادت قوة عقله. وقيل فيه: لا تدع الأيام جاهلا الا ادبته. وقال بعض الحكماء: كفى بالتجارب تأدبا، وبتقلب الايام عظة. وقال بعض البلغاء: التجربة مرآة العقل، والغرة ثمرة الجهل. وقال بعض الادباء: كفى مخبرا عما بقى ما مضى، وكفى عبر الاولى الالباب ما جربوا. وقد قالت العرب قديما: عليكم بمشاورة الشباب فانهم ينتجعون رأيا لم ينله طول القدم، ولا استولت عليه رطوبة الهرم. وحكى (الاصمعي) رحمه الله قال قلت لغلام حدث من اولاد العرب كان يحادثني فامتعني بفصاحة وملاحة: أسرك ان يكون لك مائة الف درهم وانت احمق؟! قال: لا والله.. قال فقلت: ولم؟! قال: اخاف ان يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي وابقى على حمقي. وقيل ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بصبيان يلعبون وفيهم عبدالله بن الزبير فهربوا منه الا عبدالله.. فقال له عمر: مالك لم تهرب مع اصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أكن على ريبة فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقا فأوسع لك (فانظر ما تضمنه هذا الجواب من الفطنة وقوة المنة وحسن البديهة!! فليس للذكاء غاية ولا لجودة القريحة نهاية. وقالت الحكماء آية العقل سرعة الفهم وغايته إصابة الوهم، وليس لمن منح جودة القريحة وسرعة الخاطر عجز عن جواب وان اعضل كما قيل لعلي رضي الله عنه: كيف يحسب الله العباد على كثرة عددهم؟! قال: كما يرزقهم على كثرة عددهم. وقيل لعبدالله بن عباس: أين تذهب الارواح اذا فارقت الاجساد؟! قال: أين تذهب نار المصابيح عند فناء الادهان!! وهذان الجوابان جوابا اسكات تضمنا دليلي اذعان وحجتي قهر. هذا ويستمر مؤلف الكتاب القديم (ادب الدنيا والدين) العالم العلامة والحبر الفهامة المحقق الشهير ابو الحسن الماوردي رحمه الله في سرده عن العقل عبر كتابه في (باب فضل العقل وذم الهوى) قائلا: ومن غير هذا الفن وان كان مسكتا ما حكى عن إبليس لعنه الله انه حين ظهر لعيسى بن مريم عليه السلام فقال: ألست تقول: انه لن يصيبك الا ما كتبه الله عليك؟! قال: نعم، قال: فارم نفسك من ذروة هذا الجبل فانه ان يقدر لك السلام تسلم!! فقال له: يا ملعون ان الله ان يختبر عباده وليس للعبد ان يختبر ربه.. ومثل هذا الجواب لا يستغرب من انبياء الله تعالى الذين امدهم بوحيه وايدهم بنصره، وانما يستغرب ممن يلجأ الى خاطره ويعول على بديهته. وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: كم بين السماء والارض؟! قال: دعوة مستجابة. وقيل: فكم بين المشرق والمغرب؟! قال: مسيرة يوم للشمس.. فكان هذا السؤال من سائله . اما اختبارا واما استبصارا فصدر عنه من الجواب ما اسكت.. فاما اذا اجتمع هذان الوجهان في العقل المكتسب وهو ما ينميه فرط الذكاء بجودة الحدس وصحة القريحة بحسن البديهة مع ما ينميه الاستعمال بطول التجارب ومرور الزمان بكثرة الاختبار فهو العقل الكامل على الاطلاق في الرجل الفاضل الاستحقاق. وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أثنى على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، فقال : كيف عقله؟! قالوا: يا رسول الله أن من عبادته.. أن من خلقه.. أن من ادبه. فقال: كيف عقله؟! قالوا: يا رسول الله نثني عليه بالعبادة واصناف الخير وتسألنا عن عقله!! فقال رسول الله: ان الاحمق العابد يصيب بجهله اعظم من فجور الفاجر وانما يقرب الناس من ربهم بالزلف على قدر عقولهم. واختلف الناس في العقل المكتسب إذا تناهى وزاد، هل يكون فضيلة أم لا فقال قوم لا يكون فضيلة لأن الفضائل هي متوسطة بين فضيلتين ناقصتين كما ان الخير توسط بين رذيلتين فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة. وقالت الحكماء للاسكندر: ايها الملك عليك بالاعتدال في كل الامور، فان الزيادة عيب والنقصان عجز، وهذا ما وردت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: خير الامور اوساطها. وقال علي: خير الامور النمط الاوسط اليه يرجع العلي ومنه يلحق التالي. ''لا تذهبن في الامور فرطا لا تسألن ان سألت شططا وكن من الناس جميعا وسطا''. وقالوا لأن زيادة العقل تفضي بصاحبها الى الدهاء والمكر وذلك مزموم وصاحبه ملوم. وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابا موسى الاشعري ان يعزل زيادا عن ولايته!! فقال: زياد يا أمير المؤمنين أعن موجودة او خيانة؟! فقال: لا عن واحدة منهما لكن خفت ان احمل على الناس فضل عقلك!! ولاجل هذا المحكي عن عمر ما قيل قديما افراط العقل مضر بالجسد. وقال بعض الحكماء: كفاك من عقلك ما ذلك على سبيل رشدك. وقال بعض البلغاء: قليل يكفي خير من كثير يطغي. وقال اخرون وهو اصح القولين: زيادة العقل فضيلة لان المكتسب غير محدود ، وانما تكون زيادة الفضائل المحمودة نقصا مذموما لأن ما جاوز الحد لا يسمى فضيلة كالشجاع اذا زاد على حد الشجاعة نسب الى التهور، والسخي اذا زاد على حد السخاء نسب الى التبذير.. وليس كذلك حال العقل المكتسب لان الزيادة فيه زيادة علم بالامور وحسن اصابة الظنون ومعرفة ما لم يكن الى ما يكون وذلك فضيلة لا نقص. وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: افضل الناس اعقل الناس وانه قال ايضا: العقل حيث كان مألوف. وقد قيل في تأويل قوله تعالى ''قل كل يعمل على شاكلته'' أي حسب عقله. وقيل في منثور الحكم: كل شيء اذا كثر رفص الا العقل فانه اذا كثر غلا. وقال بعض البلغاء: هذا وكانت ملوك الفرس اذا غضبت على عاقل حبسته مع جاهل!!.