موضوع: قرأت لك - الكهانة عند العرب الأربعاء يونيو 24, 2009 3:40 pm
قرأت لك - الكهانة عند العرب
الكهانة ضرب من العلوم الغيبية التي يزعم مزاولوها انهم يعرفون بها ما خفي من امور الكون والمخلوقات وهذه العلوم كانت كثيرة بين العرب في الجاهلية شأنها في سائر الشعوب الفطرية دع عنك المتمدنه فاننا ما نزال حتى اليوم نرى كثيرين وكثيرات في الشرق والغرب يدعون التنبؤ بحظوظ الامم والناس ومصائرهم فيتكهنون بشتى الطرق المعروفة عندهم كالتنجيم وخطوط الكف ولطخات القهوة داخل الفناجين والخط في الرمل والنظر في المرائي ورمي الودع وغيرها. ويتابع المؤلف كرم البستاني في كتابه النساء العربيات قديما ساردا في فصل خاص حول هذا الموضوع موضحا ان العلوم الغيبية التي كان يعرفها العرب هي الكهانة والعرافة والقيافة وزجر الطير والفراسة وطرق الحصى حيث يكشفون بكل منها ما يعود اليه من اسرار الحياة وغوامض النفوس وصفات الاخلاق والامور المستقبلية. غير ان الكهانة كان اشيعها بدليل كثرة الكهان والكواهن عندهم وقد كان لهؤلاء المتكهنين مقام رفيع في القبائل فلا يصدرون ولا يردون الا عن مشورتهم. وقد خصوا بهم ولا سيما بالكاهنات حراسة حجارتهم المؤلهة فاذا خرجوا الى الحرب واخرجوا هذه الالهة في قبابها يستنجدون غوثها على اعدائهم رفعوا معها في القباب كواهنهم ليتولين حراستها والحفاظ على احترامها والوساطة في طلب عونها لاعتقادهم بأنهن ذوات صلة مباشرة بالقوى الالهية والاقوال في علم الكهانة كثيرة ولكنها تتفق على انها مختصة بمعرفة الامور في المستقبل. ويقول ابن خلدون عن علم الكهانة انها من خواص النفس الانسانية وذلك ان لنفس فيها استعداد للانسلاخ من البشرية الى الروحانية التي فوقها وانه يحصل من ذلك لمحة للبشر في صف الانبياء بما فطروا عليه من ذلك وتقرر انه يحصل لهم من غير اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك ولا التصورات ولا من الافعال البدنية كلاما او حركة ولا بامر من الامور انما هو انسلاخ من البشرية الى الملكية بالفطرة في لحظة اقرب من لمح البصر. وتزعم اساطير العرب في اصل الكهانة ان لكل كاهن او كاهنة جنيا يسمونه رئيسا أي تابعا وقد سمي بالرئي اما لترائيه لمتبوعه او هو من الراي من قولهم فلان رئي قومه أي صاحب رايهم وهذا الجني يسترق لمتبوعه السمع من كلام الملائكة وذلك ان الجن كانوا يصعدون الى جهة السماء فيركب بعضهم بعضا الى ان يدنو الاعلى بحيث يسمع الكلام من الملائكة فيلقيه الى الذي يليه الى ان يتلقاه من يلقيه في اذن الكاهن. وفي هذا دليل على ان العرب كانوا يتوهمون ان الملائكة يعقدون في السماء مجالس سمر يتداولون فيها احاديث الملأ الادنى وعلى انهم في اعتقادهم بسرقة الجن السمع من الملائكة. وكانوا قد التقطوا وهم في وثنيتهم شيئا من الاديان الروحية التي كانت تدين بها بعض القبائل فخلطوا ما التقطوه بخرافاتهم واوهامهم. وكانوا يسمون كل من اذن بشيء كاهنا والكهنة في عرفهم هم كما قال الخطابي قوم لهم اذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية فالفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الامور وساعدتهم بكل ما تصل قدرتها اليه. سجع الكهان وكان الكهان والكواهن في تاديتهم الى الاناسي ما يزعمون بأن الجن نقلته اليهم يستخدمون لغة مسجعة غامضة الالفاظ رمزية التعابير معماة مموهة المعاني سترا لما يقع بان ما يكهن لهم به ان هو الا وحي والهام. وليس استخدام الرموز والمعميات بمقصور على كهان العرب دون سواهم فاننا نرى ذلك في كلام كهان سائر الامم. ومن يقرأ نبوءات الفرنسي الشهير عبر التاريخ نوسترادموس يتحقق ذلك وان المؤلف كرم البستاني يقول واني لاذكر له نبوءته التي يزعمون انه تنبأ بها عن نابليون بونابرت فهو يقول فيها خرج من المدينة البحرية التابعة لفرنسا وهو مقصوص شعر الراس فتولى الحكومة وطرد القذرين الذين صاروا فيما بعد خصوما له وتمسك بحبل الجور اربع عشرة سنة وصل من جندي بسيط الى الامبراطورية ومن الثوب القصير الى الرداء الامبراطوري باسل عند اشتباك السلاح وهو في الكنيسة اسوأ منه في غيرها واتعب الكهنة كما يصنع الماء بالاسفنج. وقد فسرت هذه النبوءة بانه يخرج من كور سيكا رجل مقصوص الشعر فيحكم فرنسا ويطرد مجلس وكلاء الامة فينقلب عدوا له ويستبد في الحكم اربع عشرة سنة ويتوصل من مرتبة جندي بسيط الى عرش الامبراطورية ومن ثوب القنصل الى ثوب العظمة ويتلاعب برجال الدين فيرفع منهم الوضعاء ويضع المرتفعين وهذه الجملة الاخيرة اشارة الى ما وقع بين نابليون والبابا. وكهان العرب كانوا يبدأون نبوءاتهم بالايمان فيقسمون بمظاهر الطبيعة كالصبح والمساء والليل والارض والسماء والبرق والماء ويتفننون باسمائها فيختار كل ما يوافق سجعاتهم فالكاهن سطيح حلف بالشفق والغسق والفلق أي الصبح اذا استحق وان ما اخبر به الحق والكاهن شق حلف برب السماء والارض وما بينهما من رفع وخفض ان ما انبأ به لحق ما فيه شك والكاهنة طريفة اليمنية حلفت بالنور والظلماء والارض والسماء وحلفت الكاهنة زبراء القضاعية بالليل الغاسق واللوح الخافق والصباح الشارق والنجم الطارق والمزن الوادق أي السحاب الممطر وسلمى الهمدانية حلفت بالخفو والوميض والشفق الاحريض والقله والحضيض وهذه الايمان (جمع يمين) التي كانوا يستهلون بها نبوءاتهم ولم يكن لهم بد منها تقريرا لكلامهم في الاذهان. وكان كهان العرب وكاهناتهم كثيرين ففي كل قبيلة كاهن او كاهنة غير ان المشهورين الذين نقلت الينا اساطير اخبارهم كانوا قلة اعظمهم من الرجال شق وسطيح. اما عن الكواهن الكاهنات الشهيرات اللواتي رويت نبوءاتهن وتفسيرهن الرؤى فهن طريفة وهي التي انذرت عمرو بن عامر احد ملوك اليمن بزوال ملكه واخبرته بخراب سد مأرب واتيان سيل العرم وافساده الجنتين فخرج من اليمن وخرج لخروجه بشر كثيرون فتفرقوا ثم انهدم السد وخرب عمران اليمن. اما الكاهنة زبراء فهي التي انذرت قومها بني رئام وهم في يوم عرس بغارة بني ناعب وبني داهن عليهم فكذبوها وشتموها فوقعوا في البلاء الذي انذرتهم منه فقتلوا جميعا.