البلد : نقاط : 200510 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: هل هناك ضمير حي .. وآخر ميّت ؟ الإثنين مايو 07, 2012 7:21 am | |
|
هل هناك ضمير حي.. وآخر ميّت؟
ابراهيم كشت - تذهب الموسوعات والمراجع التي حاولتْ تفسير مفهوم الضمير مذاهب شتى، إلا أنها جميعاً تربطه بالأخلاق، وتنظر إليه معظمها كخاصية أو ملكة يمتاز بها الإنسان، وهي تصدر أحكاماً تلقائية على الأفعال، فتستحسنها أو تستقبحها وفقاً لمعيارها الأخلاقي الذاتي. ويمارس الضمير دوره قبل الفعل وبعده، بمعنى أنه قد يدعو إلى سلوك معين أو ينهى عن سلوك قبل إتيانه. كما أنه قد يوجّه التأنيب على سلوك لا يقره، أو يبعث الرضا والسعادة في النفس نتيجة سلوك يواتيه ويعجبه. أعتقد أن عمل الضمير في النفس يشبه إلى حدّ بعيد عمل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) داخل الدولة، فالضمير يمارس دور التشريع من حيث أنه يقرر ذاتياً الأفعال التي يجب القيام بها والأفعال التي ينبغي الإحجام عنها، إنه يقرر لك مثلاً أن عليك أن تستجيب لنداء شخص يستغيث، هكذا ذاتياً وتلقائياً بغض النظر عن أية أسباب دينية أو قانونية أو اجتماعية. ويمارس الضمير السلطة القضائية داخل النفس، لأنه يصدر أحكاماً ذاتية داخلية على أفعالك بعد أن تقوم بها أو تحجم عنها، فكأنما يقول لك إن هذا الفعل لم يكن مقبولاً أخلاقياً، وذاك الفعل كان محموداً وفاضلاً. أما دور الضمير كسلطة تنفيذية فتراه يمارسه من خلال ما يفرضه من عقوبة على السلوك الذي يرفضه، ومكافأة على السلوك الذي يستحسنه، فهو يؤنّب ويلوم ويعاقب، وقد يبلغ تأنيبه حدَّ استخدام الجلد بسياط الندم، وقد يبعث آلاما نفسية متفاقمة، تؤدي إلى محاولة الشخص تصحيح فعله، والتوبة عن الإتيان بمثله، وربما محاولة القيام بأي سلوك يكفِّر عن خطئه . إذن فالضمير نظام أخلاقي ذاتي داخلي متكامل، يقرر ويصدر أحكاماً ويعاقب ويكافىء، وهو الباعث الحقيقي على الفضائل، والتعبير الصادق عن الأخلاق، لأن الخُلُق هو الطبع والسجيّة، وهو السلوك الذي ينطلق من الذات بشكل طبيعي تلقائي دون تكلف، وإلا سُمّيَ تَخلُّقاً وليس خُلقاً. وفي هذا المعنى يقول المرحوم مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه (النظرت) : «أتدري ما الخُلق عندي ؟ هو شعور المرء أنه مسؤول أمام ضميره عما يجب أن يفعل» ويقول : «ما زالت الأخلاق بخير حتى خذلها الضمير وتخلّى عنها، وتولّت قيادتها العادات والمصطلحات، والقواعد والأنظمة، ففسد أمرها واضطرب حبلُها، واستحالت الى صور ورسوم وأكاذيب وألاعيب)). ويبدو أن تفسير وجود الضمير عند الإنسان، وتميّزه بذلك عن الكائنات الأخرى، قد حيّر العلماء، حتى عجزوا عن أن يقدموا له تفسيراً قاطعاً. فهل يولد الضمير مع الإنسان، فهو مفطور عليه ؟ أم أنه يكتسبُ من البيئة نتيجة ارتباط بعض الأفعال في اللاشعور بالثواب أو العقاب، وفقاً لما ذهب إليه فرويد مثلاً عندما تحدث عن (الأنا الأعلى) أو (الأنا المثالي) الذي ينشب بينه وبين الرغبات المكبوتة والغرائز عادة صراع ؟ من جانبي، أميل إلى الرأي الذي يعتقد أن الضمير ناتج عن التطوّر، بمعنى أن الإحساس بالالتزام نحو المجتمع كان من ضرورات التكيّف مع الحياة، ومن ضرورات استمرارها، فتطوّر الضمير لدى الإنسان وصار يُورّث كأي صفة أخرى يحملها البشر. وحول هذه الحيرة المتعلقة بتفسير الضمير الإنساني وإمكانية تطوّر الدراسات بشأنه، أنقل ما أورده الدكتور أحمد زويل في محاضرة له في الجامعة الأمريكية في القاهرة بعنوان (البحث عن المعرفة)، فهو يقول : «... إن هذا المخ المتميز عن مخ الحيوان هو الذي صاغ طريق الإنسان في البحث عن المعرفة.... ولكن الإنسان لديه تميّزٌ آخر، إنه الوعي أو الضمير، وهو أمر لا نعرف أساسه جيداً، وسوف تكون دراسات الضمير من الدراسات العلمية الأساسية في القرن الجاري...... إننا نتساءل في هذا السياق حول ما إذا كان الضمير الحسن أو السيىء، الخير أو الشر، هو علاقة جينية معقدة، أم أنه أمر يعود إلى البيئة فقط. ومن ثم نتساءل عما إذا كان التفكير غير العقلاني القائم على الحرب والإرهاب والتعصب ومجمل المتاعب الإنسانية، يأتي من خلال وعـي وضميـر مأزوم جينياً...! ». وأعتقد أن السؤال المهم المطروح عند بحث موضوع الضمير هو : هل هناك فعلاً ضمير حي وآخر ميت ؟ ضمير ضعيف وآخر قوي ؟ ضمير ذو صوت مرتفع وآخر هامس أو أبكم ؟ يبدو أن كل ذلك موجود وقائم ومشهود، حتى أن علم النفس يحدثنا عن الشخصية التي تسمى السيكوباتية (ضد الاجتماعية)، وهي شخصية يمكنك أن تقول فيها إنها (منزوعة الضمير) إن جاز التعبير، فالذين يحملون سمات هذه الشخصية لا يصيبهم أي إحساس بالذنب عندما يؤذون الغير بأي نوع من أنواع الأذى، إذ أنهم لا يملكون مشاعر نحو الآخرين، ولا يتعلمون من أخطائهم، ولا يتوبون بطبيعة الحال عنها، وهم يقدمون رغباتهم على أي شيء وعلى أي أحد، بل أن رغباتهم تتفوق على خوفهم من العقاب، يقول طبيب النفس والكاتب (الدكتور عادل صادق) رحمه الله، في مثل هذه الشخصية : «... لا تأمنهُ على شيء، إنه يخون القريب قبل البعيد، ويخون الصديق قبل العدو، ويخون من أطعمه وأسقاه قبل من زجره ونبذه... لا ولاء ولا انتماء ولا التزام.» وأعتقد أن النظر في أحداث التاريخ، وفي الواقع والحاضر أيضاً، يجعلنا نَخْلُصُ إلى أن ضمير الإنسان وإن كان موجوداً فعلاً، ومميزاً للإنسان عن باقي الكائنات، إلا أنه ما زال ضعيفاً وغير قادر وحده على إقامة مجتمعات يسودها السلام والأمن والتعاون، لذا كان لا بد من وجود الشرائع والعادات والأعراف والقوانين التي تحاول زجر الشر في نفس الإنسان، ومساعدة الضمير على بث الخير وإقامة الفضائل.
| |
|