البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: تجسيد علامات الإبداع بمستقبل الطفل منذ الروضة الأربعاء فبراير 22, 2012 3:19 pm | |
|
تجسيد علامات الابداع بمستقبل الطفل منذ الروضة
د. كميل موسى فرام - أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية تعتمد الشركات المصنعة لوسائل التسلية والتكنولوجيا مبدأ التسويق الذي يرتدي ثوب الإغراء بامتحان سخيف لقدرة أطفالنا على مقاومته. وغدا توظيف مفردات التربية الحديثة بصورة حصرية في ذلك حديث المجالس العائلية، لإعادة نقش حروف التخطيط التربوي لمستقبل الطفل مع التأكيد على افتقار واقع التخطيط بصورة عامة لمعطيات سلامة الاستعمال الآمن لمثل هذه الأجهزة. الثوابت والدلائل تشير بقوة لسلبيات عديدة وخطيرة لهذه الوسائل على أجهزة الجسم الدماغية والمناعية بالتحديد، لكنها تغدو ضعيفة أمام الخدمات الدقيقة والجليلة والأساسية التي تقدمها والتي لا يمكن الاستغناء عنها أو تعويضها، باعتبارها فصلا إلزاميا لبرامج الطفل الترفيهية. هذه الرؤية تحتاج للتوضيح بضرورة التساوي بين كفتي الميزان لمستقبل آمن للطفل، فالاعتراف بضرورة الاستخدام يقترن بسندان الحاجة كأساس وواقع، ولكن حدود الامتلاك يجب أن تكون محددة ومحمية ومحصنة، ومفتاح بوابتها بيد الأهل لتحديد اتجاه بوصلتها للتحليق بمنطاد الاستثمار الصحيح بالأبناء، خصوصا أن غيوم الأخلاق للشركات المصنعة والمسوقة ممثلة بمالكيها قد فقدت بعضا من لمساتها الإنسانية، فجعلت من الهواتف الخلوية مثلاً وسائل ألعاب وتسلية للأطفال، والتي تؤدي حكما لاستخدامها من هذه الفئة غير المدركة لمخاطرها الآنية والمستقبلية، وأقل ما يذكر خطرها المدمر على دماغ الطفل لتداخل موجاتها مع الموجات الدماغية في مراحل النمو، والتي قد تتضح صورتها وتترجم بتصرفات وإنجازات سلبية المعنى والسلوك بعد فترة عمرية بحيث يصعب تصليح أو معالجة ثغراتها بعد أن غدت جزءاً أساسيا من شخصية الطفل. انتقال الطفل لسنوات الروضة هو المرحلة التالية في خريطة حياته، حيث يجد نفسه يجدف في قارب لا يملك أن يكون ربانه (ولو ملك ذلك لكانت قمة المصائب)، وهذه المرحلة تؤثر بسلوك الطفل ومستقبله بدرجة منفتحة وغير محددة النهايات. وهذا الواقع يتطلب من الأهل الحذر بالتصرف والتفكير، والتفريق المستمر بين تصرفات سرعة البديهة والذكاء ومحاولة تنميتها على الأصول الصحيحة، وبين التصفيق لتصرفات تبدو في ظاهرها مفرحة للأهل كقصة بطولية، ولكنها محزنة بصورة كبيرة جداً لأنها تمثل الواقع المؤسف للطفل في مستقبله، وأمر كهذا يجب أن يكون جرس إنذار للأهل بالانتباه الى مستقبل طفلهم وعدم التصفيق لحركة أو قول أسعدهم في تلك اللحظة إذا كان ذلك سببا لإنحراف بوصلة المستقبل للطفل منذ صغره. مرحلة الروضة هي المرحلة الأساسية لصقل الشخصية الحقيقية واكتشاف نقاط الإبداع عند الأطفال، فإصغاء الطفل لقصة من أحد الوالدين وتفاعله مع أحداث القصة هو سلوك تربوي وتعليمي في نفس الوقت، وحبذا لو تعود الطفل على الإصغاء لهذه الحكايات في ساعات النوم كمؤشر لاحترام الوقت والنظام. ويجب أن تكون القصة قصيرة وتهدف لتوصيل رسالة للطفل، ومثل هذه القصص الهادفة تحتاج للتكرار حتى تثمر لأننا ندرك صعوبة الاستيعاب من المحاولة الأولى فذلك أمر صعب على الكبار في أغلب الأوقات، ولتعميق أهداف القصة لا بد من مشاركة الطفل في ركن من أركانها ومفصل من مفاصلها، فإن كانت إجادة التحدث فنّاً فالإصغاء يمثل فنّاً من نوع آخر يُحترمُ ويُقدّرُ ويجب أن يُشجّعُ. محاولة ترتيب أوقات الطفل بين الأكل واللعب والدراسة والرسم هو نوع من أنواع الإبداع عند الأهل والتي ستورث حتماً لأبنائهم، حيث أن في ذلك رسم لسلوك الطفل في محاولة تفتح عبقريته ونبوغه وتكتشف المجالات التي يمكن أن يتميز ويبدع فيها، فانضباط الطفل في روضته من حيث الدوام والتعليم يجب أن يكون أمرا واقعا ومقدراً، وينصح الأهل بعدم المحاولة لتبرير الموقف الخاطىء لأن ذلك سيشكل سببا قويا لتكرار دعم الخطأ، وينمي سلوكا قاتلا لن يعالج بالندم، فالدوام اليومي في الوقت المحدد هو بديهة مقدسة لسلوك تربوي هادف، وتقبل ملاحظات النقاط السلبية في التحصيل والسلوك يمثل الخطوة الأولى والصحيحة لتعبيد الطريق السليم لمستقبل الطفل الواعد، فمن يولد ثريا قد لا يتذوق طعم الحياة إن لم يساعد في رسم أحد معالمها التي تعنيه. الدرس المثالي الأول في الحياة لكل طفل بإحترام الكبار في لفظه وحديثه يمثل العنوان الصحيح للبناء، فرسالة البيت والحضانة تؤيد السماح له بالمشاركة في الحديث لكنها لا تعني المشاركة المطلقة بل المشاركة المنضبطة والمقننة ضمن ظروف الحوار، وعلينا أن لا نصفق لقول أو حركة حتى لا نندم على التصفيق، فعندما يرسم فكرة ويشرح أبعادها مثلا فإنه يحتاج للتشجيع والمكافأة، ويحتاج أكثر لمثل ذلك التشجيع لو تصرف بإحترام مع الكبار، على أن يكون العنوان الأمثل لذلك الدرس الابتعاد عن حب النفس والأنانية لأن غرس روح التشارك عند الطفل منذ نعومة أظفاره ستصنع منه لبنة صالحة للعائلة والمجتمع للبنيان القومي على المدى البعيد. سنوات الروضة هي السنوات الحقيقية لصقل شخصية الطفل وتحديد ميوله، فتجسيد علامات الابداع تبدأ كمشروع صغير لمستقبل كبير سيكون حاضرا بكل زاوية من زوايا الحياة التي نعيشها، وهي تعتمد على ليونة التقبل والسلوك والنقد بالتوقيت المناسب حتى لا تكون معزة الطفل الزائدة ضريبة سيدفعها وندفعها فيما بعد في عاطفة وسلوك قد يغير من مستقبله ومستقبلنا.
| |
|