موضوع: حياتنا العصرية .. إلى أين تقودنا ؟ الثلاثاء يناير 24, 2012 5:54 pm
حياتنا العصرية ... إلى أين تقودنا ؟
ياسين الجيلاني - مع الحياة العصرية؛ يقف المواطن مندهشاً من كثرة متغيراتها وأحداثها المتلاحقة، لما يشاهده في مواقع الانترنت، وما تبثه الفضائيات وتنشره وسائل الاعلام المختلفة.. ومعها لم يعد هناك سابق ولا لاحق، فالحدث الذي يقع في أقصى العالم، يسمع به هنا لحظة وقوعه، والفكرة الجديدة هناك، يتلقفها المواطن هنا بسرعة البرق وهكذا . ورغم هذا التقدم للحياة العصرية، وإنتشار التعليم وإزدياد عدد المدارس والمعاهد والجامعات، وإزدهار الحركة الثقافية والتقدم في العلوم والآداب والفنون، إلا أن المواطن، ما زال يعاني من الغلاء الذي يعصف به من كل جانب، ومن تدني الأجور وارتفاع المهور ... ويعاني من الفقر والبطالة، ومن كثرة الجرائم وانتشار المخدرات، وأصبحت الفروق والتباين بين من يكدسون الملايين، وبين الذين لا يملكون قوت طعامهم ويموتون جوعاً كل يوم واضحة. وإذا كان مفهوم الحياة العصرية، يعني العيش بروح العصر بكل مستوياته العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية وقيمه الحضارية فهذا لا يعني عدم تكريس الجهود لبناء السلوك الإنساني القويم، وبناء العلاقات بين الأفراد على أساس من الوعي والكرامة، وفي اطار القيم الروحية والخلقية والمادية والابداعية... الخ. ولا شك؛ أن نمط الحياة العصرية، أدى بالمواطن إلى تغيير الكثير من عاداته وتقاليده واتجاهاته وسلوكياته، التي كانت سائدة في الماضي، فأساليب الحياة الحديثة، جعلته يتخلى عن الكثير منها، فالأسرة الأردنية مثلاً – تأثرت بالمتغيرات العصرية، بحيث جعلت بعض الآباء يتساهلون مع أبنائهم الى درجة التسامح الزائد.. ونعني بالتسامح التحرر من تراث الأجداد والآباء، فالمرأة نالت كامل حقوقها المدنية، ومنحت مساحات واسعة من الحرية الشخصية وباتت تحتل أرفع المناصب الوزارية والإدارية... ومنح الأبناء مطلق الحريات العامة مثل حرية الاختلاط بين الجنسين، وحرية إختيار الاصدقاء، وكثر الاختلاط بينهم في أندية اللياقة البدنية والميادين الرياضية، وفي أحواض السباحة وحفلات الرقص العامة... الخ، مما جعل الأسرة تعيش حالة التأرجح والإضطراب في المواءمة بين الجديد والقديم. أما الآباء والأمهات الذين لم يتعرضوا كثيراً للمتغيرات العصرية، فنراهم محافظين على تقاليدهم وعاداتهم وطرق تفكيرهم القديمة. بما يؤدي إلى كثير من الصراعات والنزاعات ونشوء الخلافات في الأمور الموروثة، ... فالصراع الأسري مثلاً – أدى إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، وإلى تفكك الأسر، وغياب التوازن النفسي بين الآباء والأبناء، مما أثر سلباً على ترابط الأسرة الواحدة وتماسكها. ومما يزيد الطين بلة، أن نشاهد في الأسرة الواحدة طريقتين للتفكير المغاير، بحيث لا يستطيع الجيل القديم العيش بتوازن وإلتزام مع الجيل الحديث، خاصة إذا كان وجود أحدهما يتضمن قمع الآخر لفرض أسلوب حياته، وهذا ما يعرف عند علماء الاجتماع بالتناقض والتضاد الحضاري بين جيلين في آن واحد. ومن الافرازات السلبية الأخرى لحياتنا العصرية، أن هناك إتجاهات وقيماً جديدة قد تولدت لدى شبابنا، وأدت إلى ضعف تمسكهم بالاتجاهات والقيم القديمة، وتبعاً لذلك؛ فقد ضعفت سلطة الأب وسيطرته وكذلك الأخ الأكبر، سواء أكان في المدن أم في القرى، فلم يعد الصغير يوقر الكبير، ولم يعد الآباء والأمهات يحظون بالطاعة والاحترام أيام زمان . مثلما لم يعد الشاب يستأذن بالخروج من المنزل، أو متى سيعود إليه...الخ. ثم أن الحياة العصرية بمستوياتها كافة، جعلت من الاستهلاك والاسراف والتبذير في حياتنا اليومية، تسير بلا ضوابط أو حدود.. فالبضائع الوافدة والوافرة تغرق الأسواق والمولات بالسلع الاستهلاكية، التي يحتاجها الناس والتي لا يحتاجونها على حد سواء.. فاشتد الإغراء والتنافس على الشراء، وزاد ميل الناس الى الأخذ دون العطاء بغض النظر عما فيها من خسارة على اقتصادية المواطن ودخله المتواضع.. وبات لزاماً على المجتمع المحلي، السعي لتوفير الخدمات والرفاهية لأفراده، حتى يشعروا بأنهم يعيشون العصر بلا حرمان، وغدت الحياة في قالبها العام مجرد تقليد لحياة الغرب في كل شيء، للتعبير عن ذواتنا، ونحن بهذا المعنى أشبه ببخار العادم الذي ترسله القاطرة وراءها، يملأ الجو بالسواد والسحب الداكنة، ولكنه يتبدد مع الريح ولا يبقى له أثر. أما حياتنا الفنية، فقد طالها الاستهلاك أيضاً، فالغناء الحديث الملتهب بالعاطفة، تأثر بالنزعة الاستهلاكية، واصبح موضوعاً مهما يحتل مكان الصدارة في الفضائيات المتخصصة، التي تستأثر باهتمام الشباب والشابات، وباتت الأغنية الحديثة تخلو من أي مسحة فنية اصيلة، إلا من فن التعري وحركات الجسد المثيرة غرائزياً، واصبحنا نتذكر كلمات الاغنية القديمة، المكونة من عراقة الكلمة والتعبيرات المهذبة، التي تضىء الحياة ببهجة وتضفي على الروح متعة ونشوة، كما كانت زمن الفن الجميل، في غناء أم كلثوم وعبد الوهاب ووديع الصافي، وصولاً الى الاغنية العاطفية الابداعية، عند فيروز ونجاة الصغيرة وغيرهم من عمالقة الفن القديم. وفي الحق، إن الحياة العصرية ومتغيراتها ومستجداتها، قد غيرت من أنماط حياتنا اليومية الشيء الكثير، وعلينا ان ندرك أن العصرية لا تتحقق في النزعات الاستهلاكية، ولا في التسامح والتساهل مع الأبناء أو في غير ذلك، فلا بد من الاعتدال في كل شيء، حتى نكفل لانفسنا الدعة والاطمئنان والسكينة والوقار.. وعلينا أن نتمثل الحياة العصرية ومتغيراتها، لا لكي نتعبد في محرابها المادي، كما هو الحال عند بعض الدول العربية الغنية بمصادر الطاقة والنفط، وان نبتعد عن مظاهر التقليد الأعمى للغرب، وعدم الانسياق وراء خطوط الموضة الاجنبية، التي لا تتناسب وطبيعة تكويننا البيولوجي، بل علينا ان ندير معركة حياتنا بالتغير والتطوير الايجابي في موضوعية مدروسة وغير مبالغ فيها. وان نعرف ماذا نغير في نمط حياتنا وكيفية تغيرها هي، حتى تستقيم أوجه الحياة ونحتفظ بطابعنا الأصيل، الذي يحفظ لنا التوازن والتوافق مع هذه الحياة العصرية.