عبدالله غوشة .. عاشق أسوار القدس ومآذنها .. العالم القاضي
كاتب الموضوع
رسالة
البلد : نقاط : 200480 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
موضوع: عبدالله غوشة .. عاشق أسوار القدس ومآذنها .. العالم القاضي الإثنين مايو 16, 2011 12:28 pm
عبد الله غوشة .. عاشق أسوار القدس ومآذنها .. العالم القاضي
هزاع البراري - مقدسي حمل قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين، وطوال سنوات عمره المكتنزة بالعمل، من أجل الأمة والوطن، فلقد طافت صرخة ولادته فضاء المدينة القديمة، ونبتت أولى خطواته في حاراتها، وامتلأ قلبه بالإيمان النقي، منذ وعى صوت الآذان، وغشت أسماعه أصداء أجراس الكنائس، حتى غدا في يوم من الأيام واحداً من أبرز رجالات الدين الإسلامي، منذ قبيل منتصف القرن الماضي. وضع نفسه في خدمة وطنه، من خلال إخلاصه لقيادته، وتفانيه في العمل الإداري والسياسي، الذي جعله واحداً من رجالات الوطن الأوفياء، الذين أعطوا بصدق وأمانة وما بدلوا تبديلا، فلقد شارك الشيخ عبد الله غوشة في سبع حكومات منذ عهد المملكة الأردنية الهاشمية، من خلال منصب قاضي القضاة، الذي كان ضمن تركيبة الحكومة، بالإضافة إلى مناصب وزارية مختلفة. ينتمي الشيخ عبد الله غوشة إلى عائلة غوشة المقدسية العريقة، التي يشير الشيخ عبد الله في مذكراته أنها تقيم في القدس منذ قرابة أربعمائة وخمسين عاماً. وقد ولد عام 1907 في منزل والده شحاده غوشة، وهو أيضاً منزل العائلة الكبير، ويقع المنزل في « حوش المئذنة الحمراء « في حارة السعدية، التي تعد أحدى حارات البلدة القديمة في مدينة القدس، وكانت القدس في تلك الفترة تشهد حركة علمية وتجارية ناشطة، وقد شكلت منارة جاذبة لطالبي العلم، من المدن الفلسطينية والمناطق العربية المحيطة، وقد تربى عبد الله غوشة في بيته على المبادئ الدينية السمحة، وتفتحت روحه منذ صغره على الإيمان وحلقات الذكر، وعمرت نفسه بالمحبة والالتزام بالعقيدة الحنيفة. التحق عبد الله غوشة بالمدرسة الصلاحية في القدس، ودرس فيها حتى الصف الثالث الابتدائي، أواخر العهد العثماني، وعندما تم إخراج العثمانيين من البلاد العربية، وخضعت فلسطين للانتداب البريطاني، أكمل دراسته في مدرسة المطران، حيث انتقل بعدها إلى المدرسة الرشيدية، وكان من الطلبة المتفوقين دراسياً، وكان تفوقه لافتاً لما تميز به من ذكاء وسرعة بديهة، وقدرة فريدة بالتحصيل الدراسي، فكان الأول على صفه، فمنحته كلية روضة المعارف منحة مجانية لإكمال دراسته الثانوية فيها، رغبة منها في استقطاب الطلبة المتفوقين، وقد أنهى دراسته عام 1921، ونال ما يعادل الثانوية العامة حينها، حيث نال المركز الأول بين الطلبة المتخرجين في ذلك العام، لذا بادرت إدارة كلية روضة المعارف، بإبتعاثه إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، من أجل دراسة الطب، وكان من شأن هذه البعثة أن تجعل منه طبيباً ناجحاً، لكن القدر أراد له غير ذلك، فبينما هو يستعد للسفر إلى بيروت، اطلع على إعلان يفيد بتشكيل لجنة، لانتقاء عدد من الطلبة من أجل إرسالهم للدراسة في الأزهر الشريف. كان عبد الله غوشة يمتلك ميلاً فطرياً لدراسة العلوم الشرعية، وكان يمتلك رغبة حقيقة بتلقي هذه العلوم في الأزهر الشريف، وقد شجعه على تحقيق هذه الرغبة والده، الذي رغب أن يكون أحد أبنائه من علماء الأزهر، فتقدم غوشة للجنة التي كانت برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، فحقق عبد الله غوشة نجاحاً لافتاً كعادته، وكان من نتيجة ذلك، أن غض الطرف عن بعثة الجامعة الأمريكية، وتوجه إلى القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف، وكان وقتئذ في عمر الخامسة عشرة عاماً، وقد وفر له الأزهر فرصة كبيرة للتواصل مع أبرز وأشهر علماء الدين في مصر، حيث تتلمذ على يدهم، ونهل من علمهم الغزير، في حين ارتبط مع عدد منهم بصداقة وثيقة، استمرت سنوات طويلة، وظفها دفاعاً عن قضية فلسطين، وكذلك الذود عن الأمة الإسلامية الكبيرة، من خلال نشاطه السلمي، وجولاته العالمية المتواصلة. عاد عبد الله غوشة إلى القدس، بعد تخرجه في الأزهر الشريف، وكانت فلسطين تتعرض لمؤامرة صهيونية وغربية، تستهدف الاستيلاء عليها وتحويلها موطناً للكيان الإسرائيلي المصطنع وغير الشرعي، وقد باشر غوشة نشاطه العملي، بتأسيس جبهة علمية ذات الطابع الإسلامي، للدفاع عن القدس وفلسطين، ففي أعقاب نكبة عام 1948، وضياع جزء كبير من فلسطين، قام الشيخ عبد الله غوشة مع وفد إسلامي بجولة شملت باكستان وأفغانستان، من أجل شرح القضية الفلسطينية للعالم الإسلامي، والتوعية بمخاطر احتلال فلسطين على الأمة بأسرها، وبعد عودته من هذه الجولة، شارك بفعالية كبيرة في الجهود التي أثمرت عن تأسيس تجمع إسلامي شعبي، لدعم قضية القدس وفلسطين، وقد نتج عن هذا التجمع تأسيس المؤتمر الإسلامي لبيت المقدس عام 1953. أيد الشيخ غوشة الجهود التي أفضت إلى وحدة الضفتين، ضمن المملكة الأردنية الهاشمية، وكان قد بدأ غوشة مناصبه الرسمية ضمن الحكومة الأردنية في 14/ 10/1950، عندما تم تعيينه بمنصب قاضي في حكومة سعيد المفتي، حيث كان قاضي القضاة يعين ضمن الفريق الوزاري، ويكون ضمن الحكومة المشكلة، وعندما شكل سمير الرفاعي الجد حكومته في العام نفسه، أسند لغوشة منصب قاضي القضاة بالإضافة إلى منصب وزير العدلية – العدل – وقد عاد الشيخ عبد الله غوشة، عام 1963 مع حكومة سمير الرفاعي الجد لاستلام منصبه السابق قاضياً للقضاة، وعندما جرى تعديل وزاري عام 1968، أصبح وزيراً للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وضمن تشكيلة حكومة عبد المنعم الرفاعي عام 1969، أسندت حقيبة وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، بالإضافة لمنصب قاضي القضاة. أما دولة بهجت التلهوني الذي شكل حكومته في 13/ 8 / 1969، فقد أختار الشيخ غوشة لمنصبي قاضي القضاة ووزير الأوقاف والشؤون المقدسات الإسلامية، كما أحتفظ بالمنصبين السابقين معاً، في حكومة بهجت التلهوني التالية في 19 / 4 / 1970، وكان صاحب بصمة خاصة، كفلت له تميزه الدائم. لم تحل المناصب الرسمية والوزارية، بين الشيخ عبد الله غوشة وبين نشاطاته الإسلامية والعلمية، ولم تبعده عن جهوده النضالية السلمية، فقد كان مبادراً ومشاركاً بقوة، في جميع الأنشطة العربية والإسلامية العالمية، الهادفة إلى شرح القضية الفلسطينية، والدفاع عن هذه القضية الجوهرية بالنسبة للعرب والمسلمين، فقد شارك في عدد كبير من المؤتمرات الإسلامية والعالمية، فقد شارك في المؤتمر الإسلامي الأول بكراتشي في الباكستان عام 1949، وكذلك شارك في مؤتمر الثقافة الإسلامية وعلاقتها بالعالم المعاصر، الذي عقد في جامعة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1953، وكان له حضور لافت في معظم دورات مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، منذ تأسيسه عام 1964، وشارك في فعاليات المؤتمر الإسلامي في كوالالمبور عاصمة ماليزيا. لقد شكلت القضية الفلسطينية، ومركزها القدس الشريف شغله الشاغل، وكان الدفاع عنها هاجسه الذي رافقه في كل مرحلة من مراحل حياته، فقد رهن عمره لها، وجال العالم من أقصاه إلى أقصاه، شارحاً للعالم أبعاد هذه القضية، والحق الفلسطيني العربي فيها، وقد أنطلق في نشاطاته المتعددة من فكره الإسلامي الوسطي المعتدل، فقد كان رئيساً للهيئة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس لسنوات طويلة، وكان عضواً دائماً في وفود هذا المؤتمر، التي جابت العالم للتوعية بالقضية الفلسطينية، وقد شملت جولاته معظم الدول العربية، بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان والهند وإيران وماليزيا، وعدد من الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي – سابقاً – وألمانيا وعدد من دول البلقان، وتايلاند. كان الشيخ عبد الله غوشة دائم النشاط، لم يتردد في العمل في سبيل القضية الفلسطينية، ولم يمنعه التقدم في العمر، من النهوض بما يراه واجباً من أجل الوطن والقيادة، والقضية المصيرية، فقد ترأس في سنواته الأخيرة، وفداً من العلماء المسلمين ورجال الدين المسيحي، حيث قام هذا الوفد بجولة موسعة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1972، لشرح حقيقة الصراع العربي اليهودي، كما ترأس الوفد الذي أرسله المغفور له الملك الحسين بن طلال، إلى ملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية، لشرح أبعاد المؤامرة اليهودية على القدس الشريف، غير أن الشيخ عبد الله غوشة أضطر لقطع جولته مع الوفد خلال وجوده في إيران، وعاد إلى عمان بعد أن أصيب بوعكة صحية، لكن هذا المرض لم يمهله كثيراً، حيث انتقل إلى رحمته تعالى في عمان، في الربع والعشرين من شهر أيار عام 1977، ودفن فيها على مرمى البصر من أسوار القدس ومآذنها، ورنين أجراس كنائسها.
منقول
عبدالله غوشة .. عاشق أسوار القدس ومآذنها .. العالم القاضي