موضوع: صهيب بن سنان .. الرومي الممتلئ بالعروبة والإيمان الإثنين سبتمبر 13, 2010 1:59 pm
صهيب بن سنان.. الرومي الممتلئ بالعروبة والإيمان
حصلت القبائل العربية الموالية للفرس والروم على مكانة كبيرة ومكتسبات عديدة قياسا ببقية القبائل العربية في الجزيرة، إلا أن موقع تواجد هذه القبائل في العراق والشام جعلها عرضة لمخاطر متنوعة، منها استخدامها للصراع المتبادل بين الإمبراطوريتين خاصة في المناوشات التي تسبق الالتحامات العسكرية، كما أنها كانت صيدا سهلا لتحقيق انتصارات سريعة، وفي المرحلة التي شهدت ولادة صهيب بن سنان النمري الذي عرف لاحقا بالرومي كانت الإمبراطورية الفارسية في لحظة ضعف تاريخية بسبب الصراع على السلطة، فكانت البصرة التي ولي عليها والده هدفا للروم الذين ألحقوا به هزيمة منكرة وأخذوا بعضا من أسرته للسبي ومن ضمنهم صهيب الذي كان طفلا لا يدرك كثيرا مما يدور حوله، وفي بضعة سنوات دخل صهيب إلى دائرة العبودية اللعينة في الإمبراطورية الرومانية، وكان من شأن ذلك أن يطمس هويته في جانبها الظاهري من لغة وطباع، إلا أنه لم يقتلع فكرة العروبة من نفسه ولم ينتزع جذوتها من روحه. يدخل صهيب إلى مكة عبدا لعبد الله بن جدعان التاجر المتوسط الحجم، وحيث كانت تجارة مكة تعمل على محور رأسي بين الشام واليمن تطور دور صهيب من مجرد العبودية التي تقدم العمل إلى المشاركة في التجارة لإتقانه لغة الروم ومعرفته بطباعهم وعاداتهم، ليصبح من مجرد عبد إلى مساعد تجاري وأمام هذه الأدوار المتعددة التي قدمها صهيب أعتقه ابن جدعان، ليعيش في وضع جديد في قريش، فصهيب امتلك من المهارة التجارية ما يوفر له وضعا محترما بين أهالي مكة ويجعلهم بصورة أو بأخرى يتناسون أنه لم يخرج سوى للتو من نير العبودية، وبدأت تجارته تشكل أحد الأعمال الناجحة في مكة، لكن ذلك كان رسما للانهيار في لحظات أمام البطش الممنهج الذي مارسته قريش تجاه المسلمين الأوائل. قصد صهيب دار الأرقم برفقة عمار بن ياسر ودخل في الإسلام، ورغم أنه حصل على حريته ويمكنه أن يرحل من مكة إلا أنه أصر على البقاء بالقرب من النبي الكريم، وكانت نتيجة ذلك أن يتحمل قدرا من العذاب والتنكيل أعاده من وجهة نظر مكة إلى ما دون مرتبة العبودية، ولكنه لم يرحل أو يهرب في ذلك الوقت، فالبقاء بجانب الدعوة يعيد ما انقطع من حياته، أنه يعيده لعلاقة صحية مع العالم من حوله، فالإسلام أتى بتصور جديد حول العلاقة بين البشر تخلصه من ذلك التصاغر الذي عايشه أمام من هم أقل منه في المكانة والقدر والثقافة وحتى الموهبة في التجارة وغيرها، وإلى ذلك فثمة عامل سيكولوجي يحركه أنه رأى في الإسلام ذلك الإطار العظيم الذي يمكن أن ينهض به العرب في مواجهة الفرس والروم، إنه يعرف داخليا أن أبناء جلدته ليسوا بأقل من الإمبراطوريات المجاورة، وأن الروم أو الفرس لا يملكون ذلك التفوق على العرب إلا من خلال وجود بنية حضارية تجمعهم، وأن ما ينقص العرب هو التحضر، البناء الأخلاقي الذي يقوم عليه المجتمع، وأي نظام أخلاقي يمكن أن يتفوق على الإسلام. ظل صهيب من الشخصيات المقربة للنبي في مكة، فقلة تمكنت أن تكون على نفس مستواه من فهم الحياة خارج إطار هذه المدينة، وقلة امتلكوا نظرة مختلفة للعالم مقارنة بمن ظلوا طيلة حياتهم في مكة، لم تكن المسألة الدينية تعنيه أثناء وجوده في الشام وغيرها من الأراضي الرومانية، فهو يرى ذلك التناقض بين ما يدعونه من إيمان وما يمارسونه تجاه الآخرين، أما في الإسلام فإن قناعته تكونت في اقترابه من الرسول الكريم وترسخت من تعايشه المستمر معه، حيث لمس ذلك البعد الأخلاقي الذي لا يدانيه أحد، فهي أخلاق لم يعتدها العرب أو غيرهم، لذلك التمس في قرابته من الرسول أن يكون رجلا مخلصا لهذه المبادئ، أن يجد لحياته معنى بعد أن ظل يعمل دون تصور لنهاية أو مصير. أتى قرار الهجرة ليتبع صهيب النبي في يثرب ويكمل صحبته له في تأسيس المجتمع الإسلامي الأول، لكنه وقع في يد قريش أثناء هروبه للهجرة، لم يكن أمامه سوى أن يكمل الطريق، فعودته لم تكن ضمن خياراته، لأنها تفرغ حياته من المعنى، على ذلك بذل الثمن الباهظ لحريته العقائدية هذه المرة، أعطى قريش كل ما جمعه في حياته من أموال وأخذوا منه راحلته ومتاعه، ليكمل الرحلة إلى المدينة سيرا على الأقدام، يصل إلى المدينة وهو يزحف من الإعياء، القروح والجروح تأكل من وجهه وجسده وخشاش الأرض وحشراتها تنهشه، في هذه الحالة المزرية وصل صهيب إلى المدينة ليجد النبي في انتظاره ليعلم أنه باع الدنيا بالدين وأنه أتى وكأنه ولد من جديد ليكون عضدا للرسول في المرحلة القادمة التي شهدت توسع الإسلام وسيادته، استقبله الرسول مطمئنا له «ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع»، انقطع للعمل دون أن يفكر في شيء من غرض الدنيا التي باعها فبقي على مبادئه حتى اللحظات الأخيرة من حياته، كان صهيب من أعطاه عمر أمانة الصلاة بالمسلمين بعد رحيله حتى يستقروا على خلافته، ففي وقت صعب كان صهيب هو الوتد الذي تقوم عليه خيمة الإسلام، بعد أن فقد أهله وعاين الوحدة سنينا طويلة أصبح في أهله في قرابة العقيدة والإيمان من جديد.