موضوع: كيف يتحكم الساحر في دماغك ؟ الخميس أغسطس 26, 2010 10:30 pm
كيف يتحكم الساحر في دماغك؟
حسام جميل مدانات
يتابع الجمهور عرض الساحر الواقف على منصة المسرح وهو يقذف كرة للأعلى بينما يتابعها بناظريه ثم يلتقطها، وفي المرة الثالثة تختفي الكرة في الهواء فجأة. لكن الواقع أن الساحر لم يقذف الكرة فعلا في المرة الثالثة، وإنما أخفاها في كف يده مع أنه تظاهر بأنه يرميها. لوحظ أن 70% من المشاهدين تنطلي عليهم هذه الخدعة. ويمكن تفسير ذلك بسببين: أولهما أن الساحر كان يرفع وجهه ويوجه عينيه نحو الأعلى في المرة الثالثة، تماما كما فعل في المرتين السابقتين، مما يعطي المشاهدين الانطباع بأنه قد قذفها بالفعل. أما المشاهد الذي ينظر نحو يديه وليس نحو وجهه، فانه سيلاحظ أن الكرة لم تغادر يده. السبب الثاني أن إدراك الدماغ لأي شيء مرئي يحصل بعد بضعة أجزاء بالمئة من الثانية. فإذا نفذت الحركة بسرعة كبيرة، فان الدماغ يتجاوز ما تشاهده العينان، ويفسر لوحده العملية التي يتوقع أنها قد نفذت فعلا، كما في المرات السابقة. ويستغل لاعب التنس الأرضي مثلا هذه القدرة لدى الدماغ، فهو يتوقع اتجاه الكرة من مجرد ملاحظة وضعية جسم خصمه عندما يضرب الكرة، وحتى قبل أن تغادر الكرة مضربه.
علم أعصاب السحر تجري الأميركية سوزانا مارتينز – كوندي ، منذ عشر سنوات، أبحاثا على الأساس العصبي لخدع السحرة. وقد أسست بالتعاون مع زوجها مؤسسة بارو لعلم أعصاب السحر: Barrow Neuromagical Institute (http: http://smc.neuralcorrelate.com) : وهي تسعى لتحليل وفهم كيف يتصرف دماغنا تجاه الخدع العقلية أو المعرفية للسحرة، والعلاقة بين ما يجري في الدماغ وما يختزنه من ذكريات وتجارب وما يقوم به من استنتاجات، وبين ما نشاهده وما نسمعه أثناء قيام الساحر بخدعه. نعلم أن ما تراه العين لا يمثل الحقيقة والواقع دائما، ومن الأمثلة على ذلك خدع بصرية مشهورة تجدها في كتب علم النفس أو تصلك باستمرار ضمن الرسائل الواردة لبريدك الالكتروني. إذن العين يمكن أن يتم خداعها وأن تخدع دماغنا معها. كما أن طريقة تفكيرنا وخبراتنا السابقة تعمل على إعادة تشكيل ما نراه. ولتوضيح ذلك. افرض أن حادثة معينة حصلت في الشارع، ثم سألت عشرة أشخاص شاهدوا الحادثة بأم أعينهم، فانك على الأغلب ستحصل على روايات مختلفة، بل حتى متناقضة، دون أن يخطر ببال أي منهم أنه قد حرّف الحقيقة وعدل فيها دون أن يشعر أو يقصد ودون أن يكون له مصلحة في ذلك. وقد يحصل تشويه الحقيقة بسبب رغبتنا الكامنة في المبالغة والتضخيم. وحتى الذي يكره المبالغة فانه يقع فيها ، كما تدلنا الطرفة المعروفة عندما يقول الأب مخاطبا ابنه: قلت لك مليون مرة لا تبالغ.
الساحر والنشال يتلاعبان بأعصابنا يعتبر أبولو روبنز أحد أشهر السحرة النشالين في العالم. ومن بين العروض التي يقدمها على المسرح، تلك التي تتضمن تبرع أحد الحضور بالمشاركة في العرض، يصعد الضيف على المسرح واثقا من نفسه ومستعدا لإفشال حيل الساحر. يرحب به الساحر ويحتضنه ويمزح معه، ثم يطلب منه أن يريه هويته الشخصية. فيمد هذا الضيف المشارك يده إلى جيبه ليفاجأ باختفاء محفظته. عندئذ يخرج الساحر أبولو المحفظة من جيبه ( أي جيب الساحر) ومعها ساعة يد الضيف. لقد استخدم الساحر أساليب بسيطة ولكنها كافية لتشتيت انتباه ضحيته. احتضانه والتربيت على كتفيه وبضع كلمات ترحيب لطيفة، فانخفض تركيزه إلى النصف. وعندما صافحه وضغط على كفه ومعصمه، فانه قد خفض حساسية يده وجلده بدرجة كبيرة لجزء من الثانية، مما مكنه من نشل ساعة يده. وبالطبع فان كل هذه العوامل يدعمها مهارة وسرعة كبيرتان في القيام بنشل المحفظة والساعة.
الساحر يوجه أفكارنا يطلب الساحر الفرنسي فريد دارفيل من أحد الحضور أن يفكر بشكل هندسي محاط بدائرة وأن يهمس بوصف الشكل بإذن جاره. ثم يحدق الساحر في عيني ذلك الشخص ويقول له: انك فكرت بمثلث داخل دائرة. فيذهل الشخص ويجيب: هذا صحيح! الواقع أن الساحر دارفيل قد مهد لهذه النمرة بعدة وسائل، ففي بداية عرضه وضع على المنضدة الموجودة على المسرح أجساما مثلثة الشكل، وكان قد وضع في مدخل المسرح صورة للأهرامات وكتبا عن مصر الفرعونية وأهراماتها. وأثناء العرض شكل بيديه في الهواء عدة مرات أشكالا مثلثية. وهذه كلها أساليب إيحاء فعلي مجربة وناجحة. فدماغنا يتذكر أول ما يتذكر الأشياء الأخيرة التي وصلته عن طريق المشاهدة أو السمع أو الإحساس. ويعترف الساحر دارفيل أن خدعته هذه لا تنجح دائما وإنما في ثماني حالات من عشرة. وهي نسبة كبيرة بلا شك، لكنها لا تعني أنه يقرأ أفكار مشاهديه، وإنما هو يؤثر فيها ويشكلها ويتلاعب فيها عن طريق الإيحاء. وبإمكانك عزيزي القاريء أن تطبق التجربة التالية بنفسك: اطلب من صديقك أن يكتب على ورقة 3 كلمات يختارها: أحد الألوان ، رقم بين 1 و 10 واسم فاكهة. وفي نفس الوقت اكتب أنت على ورقة الكلمات التالية: أحمر، 7، تفاح. وبعد أن ينهي الكتابة اطلب منه أن ينظر إلى الورقة التي كتبتها أنت ليفاجأ بأنك قد حزرت ما فكر به وما كتبه هو . إن هذه الحيلة تنجح بنسبة عالية، وبإمكانك أن تزيد فرص النجاح إذا تضمن حديثك مع صديقك قبل إجراء اللعبة، حديثا عاما تضمن إشارة إلى هذه الأشياء الثلاثة، الأحمر ، التفاح والعدد 7. Ca M’interesse Avril 2010 p 7