موضوع: ضانا .. المنسية على حدود الزمن الأحد مارس 08, 2009 10:02 am
ضانا.. المنسية على حدود الزمن
احمد النعانعة - ضانا.. تلك القرية المنسية على حدود الزمن اسرارها كوكبة من مصاطب ندية عابقة بالحب والسحر والجمال بألوان الريح والشمس والنحاس، والزيت والشيح والبطم، هناك تشاهد سيدة الارض ضانا، سيدة الخبز تُلقي ببقايا العجين والدموع في طابون اشعلته آلهة الفقر والمرض والنسيان، وهناك عند النبع صوف جديد يغسل بيد امرأة جبلتها قسوة الحياة والزمن. اكتسبت ضانا اسمها من القرية الواقعة على حدودها التي كانت تسمى بترنيا اوثانا التي تقع على مرتفع صخري يعلو 1210م ويرتفع عند سطح جبل العلمة 1641م سطح البحر حيث يطل على ملتقى وادي ضانا ووادي شق الريش وبحسب نشرة الشرق العربي الصادرة في 18/12/1929 فان القرية قد تأسست في العهد العثماني وكان من ابناءها احد المنتخبين للمجلس التشريعي الاول عن الطفيلة وهو المرحوم الشيخ عيد محمد العويضات النعانعة.
تعتبر ضانا النموذج الامثل للطراز المعماري القديم للقرية الاردنية، فقد شيدت بسواعد اهلها القوية من الحجارة والطين وخشب السنديان والبطم والبلوط، ومن القصيب الموجود على ضفاف اوديتها السحيقة المغطاة بالاشجار المعمرة وخصوصا الارز النادر ومنها ما تجاوز عمره 3000 عام. والقرية تحظى بتنوع حيوي نباتي هائل ضمن جبالها وسهولها وصحراءها واوديتها فقد سجل فيها 648 نوعا من الاشجار والنباتات المختلفة تعادل ما نسبته 30% من مجمل الانواع المسجلة في الاردن. على بعد 3كم الى الجنوب الغربي من ضانا هناك خربة حجارتها من البازلت، وفيها عدة آبار، وهي تقع على الجانب الغربي من الطريق الملوكي الذي عرضه 5ر3م، في هذه الخربة هناك شجرة بطعم معمرة من نوع البطم الاطلسي، حيث تختلف في مقاومتها وثباتها عن اشجار المنطقة رغم موجات الجفاف الحادة. وكذلك في هذه الخربة شجرة على الطريق الملوكي ايضا الذي يقود الى مكان مقتل الصحابي الجليل الحارث بن عمير الازدي فهذه الشجرة التي اكتسبت اسمها من جلوس جعفر بن ابي طالب الملقب بالطيار في طريقه مع الجيش الاسلامي الى موقع مؤتة حيث قيل انه جلس تحتها للراحة ومن هنا سميت بشجرة الطيار وهي ظاهرة للعيان على جانب الطريق وكان ذلك عام 629م. اما منطقة (البرة) فانها تدل بوضوح على وجود مقابر المسلات التي كانت بداية لمقابر اهل البترا وهي شبيهة للموجود في البترا وكذلك وجود المساكن المحفورة. كما ان منطقة آثار شق الريش تدل على وجود التحصينات وابواب الحرس وخزانات المياه والبيوت الفريدة تدل على روعة الاداء الحضاري. اما وادي فينان/ ضانا فيستطيع الباحث ان يقف ويتبصر بين جنبات المدينة ويرى من الابداع الفني ما يتمثل في شبكة ري متكاملة وان تضررت بفعل الزمن. لقد كشفت الدراسات الاثرية على وجود 98 موقعا اثريا في منطقة ضانا تعود الى 20 الف سنة ماضية ابتداء من العصر الحجري، الانباط، الرومان، ووصولا الى العصور الاسلامية. تدل الدراسات الاثرية ايضا على ان الانسان القديم قد استغل النحاس في ضانا/ فينان على طول وادي ضانا وحتى قرية النحاس ويدل على ذلك عشرات الافران القديمة واكوام مخلفات الصهر التي تحتوي على المنغنير وقد عُرف النحاس منذ الزمن البعيد بحوالي 3000 سنة قبل الميلاد حيث استغله الآدميون ولا تزال آثاره ماثلة للعيان في وادي ضانا، وقد جرت دراسات عديدة منذ عام 1930 ومن بينها الدراسة الجيولوجية التي اجراها G.s.Blake. وفي منتصف الستينات قامت سلطة المصادر الطبيعية باعمال التنقيب عن النحاس في وادي فينان حيث تم اثبات وجود احتياطي 20 مليون طن بنسبة 36% نحاس، وهناك خامات تقدر ب25 طنا بنسبة تركيز 2ر3%. كما قامت مؤسسة BRGM الفرنسية باجراء مسح آخر وكانت اول دراسة تقنية واستكشافية تفصيلية في الفترة الواقعة بين 1961 ? 1964 قامت بها شركة OTTO Gold اثبتت وجود المنغنيز. كما تدل الدراسات على ان 7% من اجمالي خامات النحاس في المملكة متوفرة في وادي ضانا التي تقدير كمياتها ب400 الف طن من النحاس الخالص في منطقة فينان، وادي ضانا، وادي خالد، وادي رانيا وهي المنطقة الوسطى لوادي عربة، منطقة خربة النحاس، الجارشة. ان وجود المناجم المتناثرة في وادي عربة، ضانا، خربة النحاس وما يجاورها يستوقف الباحث بطريقة هندستها التي تدل على استغلال الانباط لها الذين على الاغلب قد اخذوا الطريقة من الفراعنة الذين استخرجوا هذا المعدن من سيناء ووصلوا الى وادي عربة. لما بدأت الديانة المسيحية بالانتشار رأت روما ان الديانة الجديدة تشكل منافسا لها بين الشعوب الخاضعة لها، فقاومت دعوة المسيح عليه السلام، فتعقبت من تنصروا واضطهدتهم، فكانوا يلوذون بالفرار في المغر والمقابر لتأدية واجب الصلاة. فلما استقر الرومان في الاردن وصلوا الى ضانا/ وادي فينان، فاستهدفوا نصارى الاردن وارسلوهم ليعملوا في مناجم النحاس في وادي فينان وما حولها وكان العقاب تشويه اجساد العاملين ليبقوا عمالا في المناجم والافران فامتلأت مقابر فينان بموتاهم.