موضوع: نبات الغضا .. مخاطر وحلول مقترحة الإثنين يناير 12, 2009 5:07 pm
نبات الغضا.. مخاطر وحلول مقترحة
د. عريب صالح نعواش - م. أحمد سامي الحوراني - لعل من أجمل الابيات الشعرية التي ذكر فيها نبات الغضا هي تلك الأبيات التي نظمها مالك بن الريب في قصيدته المشهورة و التي رثى فيها نفسه، حيث كان يحتضر بين أشجار الغضا التي كانت أنيسه الوحيد أنذاك: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادي الغضا أزجي القلاص النواجيا فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه وليت الغضا ماشى الركاب لياليا لقد كان في أهل الغضا لودنا الغضى مزار ولكن الغضا ليس دانيا ولعل الكثير منا قد سمع عن نبات الغضا في الأدب العربي أو الأغاني العربية، لكن منا الكثير من يجهل ما هية و أهمية هذا النبات و المخاطر التي تهدد وجوده ، و هذا ما دفعنا الى كتابة هذا المقال المختصر عن نبات الغضا. ينتشر نبات الغضا White Saxaul في مناطق الكثبان الرملية الموجودة في جنوب غرب الأردن و خاصة في منطقتي وادي عربة و وادي رم. وهو عبارة عن شجرة صغيرة معمرة يصل ارتفاعها من 1 الى 4 متر، و يعيش في الترب و الكثبان الرملية الثابتة و المتحركة في الصحاري الجافة التي يقل معدل الأمطار فيها عن 50 مم سنويا. يفضل هذا النبات التربة الرملية عادة، ويتطلب نموه صرف جيد للماء في التربة والذي تتمتع به التربة الرملية عادة، ويستطيع ان ينمو جيدا بالترب الفقيرة جدا بالعناصر الغذائية. يتميز الغضا بتحملة لدرجات حموضة التربة المختلفة ، كما أنه متحمل جيد للملوحة والجفاف، كما يمتاز بجذورة الطويلة والقوية والتي تمتد ؟لى عشرات الأمتار لتصل ؟لى الماء.
التوزيع الجغرافي
يمتد التوزيع الجغرافي لأشجار الغضا ليشمل عدة دول ليكون هو العنصر النباتي الرئيس المشكل لما يسمى بغابة الغضا Saxaul Forest في وسط آسيا، حيث يمتد توزيعه غربا من غرب آسيا و ايران الى روسيا مرورا بالصين، كما يستوطن الغضا في صحراء سيناء، وفلسطين والأردن و جنوب العراق و الكويت و ايران و السعودية و عمان و الامارات وتركمنستان و أذربيجان و أوزباكستان وكازخستان و باكستان و طاجيكستان وروسيا والصين وغيرها.
الاستخدامات و الأهمية البيئية
يستخدم نبات الغضا في كثير من الدول لأغراض إعادة تأهيل المراعي و تشجير جوانب الطرق الصحراوية ، كما أنه يدخل في صناعة الأثاث و الورق و الأصباغ. يعتبر خشب الغضا المصدر الرئيس للحطب و الوقود في البيئات التي ينتشر فيها ، نظرا لصلابته حيث ينتج عن احتراقة كمية حرارة عالية و مدة احتراق طويلة. أما أوراقه فهي تشكل غذاء جيدا للكثير من الحيوانات الصحراوية البرية و غير البرية مثل الجمال والماعز والمها العربي وغيرها. أما بيئيًا فيلعب نبات الغضا دورا كبيرًا ومهما كعنصر نباتي في تثبيت الكثبان الرملية و منع انجراف التربة، و يعمل كمصد للرياح و يتحمل اصطدام ذرات الرمل و تراكمها على الأغصان، و له القدرة على تكوين الكدوات أو النبكات الرملية حوله نتيجة اصطدامه بالرياح المحملة بالرواسب.تكمن أهمية وجود النبكات بتجميع الرواسب و العناصر الغذائية و الماء و بذور النباتات الحولية و حفظها من البيئة القاسية المجاورة. بالإضافة الى ذلك فقد شكلت هذه النبكات ملاذا آمنا للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية مما ساعد على حفظ التنوع الحيوي في البيئات المنكوبة.
المخاطر البيئية التي تهدد أشجار الغضا
يعتبر الانسان و استخدامه السلبي والأناني اتجاه المقدرات البيئية من أهم العوامل التي أدت الى تدمير الغضا و البيئات الرهيفة التي يوجد فيها ليس فقط في الأردن بل في معظم الدول العربية . و بهذا أصبح هذا النبات من النباتات المهددة بانحسار مساحات انتشاره وانقراضه بشكل جدي. و من أمثلة التصرفات السلبية الرعي الجائر و الاحتطاب بالإضافة الى مغامرات مرتادي الصحراء وسباق الراليات والذين يدوسون بادرات الغضا و غيره من النباتات الصحراوية بأقدامهم و مركباتهم ذات الدفع العالي، علاوة على إستخدام جمر الغضا طوال الليل و النهار للطهي و الترفيه عن النفس. كما أنه في وادي عربة تم تدمير و تجريف الكثير من الترب الحاملة لنباتات الغضا و غيره من النباتات القيمة في صحراء وادي عربة لأغراض انشاء مزارع الفواكه و الخضراوات التجارية و مصانع التعدين دون دراسة لتأثير هذه المشاريع على البيئة و جماليتها. أدت العوامل سالفة الذكر مجتمعة الى فقدان الكثير من النظم البيئية في الصحراء الأردنية و خاصة مناطق و ادي رم ووادي عربة قدراتها الرعوية كما أدى موت العديد من أشجار الغضا الى تفكيك الكثير من النبكات الهامة في النظام الصحراوي الهش مما أدى الى فقدان التفاعل الحيوي بين التربة والنبات المكون لهذه النبكات.
بعض الحلول المقترحة
بعد معرفة أهمية هذا النبات و ما يلحقة من ضرر من الإستخدام السلبي و الأناني للإنسان فلا بد أن الحل يبدأ من الإنسان نفسه و ذلك بإبراز أهمية هذا النبات و أهمية المحافظة عليه لعامة الناس و خاصة الناس المقيمين في البيئات التي ينمو فيها. بل و تشجيع المواطنين القاطنين في البيئات التي ينتشر فيها هذا النبات على المساهمة في زراعته - بالتعاون مع الجهات المختصة- في المساحات المحيطة لأماكن سكنهم كسياج مما له دور مهم في تحسين البيئة المحيطة وصد الرياح و منع انجراف التربة و تحسين الشكل الجمالي للمنطقة. كما أنه من الضروري تبادل الخبرات العملية و النظرية بين الدول المهتمة بهذا النبات والمحافظة عليه و اعادة زراعته و انتشاره وخاصة الدول العر بية. و تكثيف الأبحاث التي تهتم بالطرق المتعددة لإكثارهذا النبات مثل الإكثار بالبذور وزراعة الأنسجة النباتية، واستخدامه في اعادة تاهيل المراعي والنظم البيئية المتضررة. كما يجب المراقبة الجدية للرعي الجائر والتحطيب المسرف و النشاطات البشرية الأخرى التي تساهم في تدمير البيئة الصحراوية بشكل عام وبيئة نبات الغضا بشكل خاص. وتشجيع أصحاب المشاريع المقامة على أنقاض الغضا سواء كانت مشاريع خاصة أو حكومية على المساهمة المالية و التقنية من قبل لأغراض أبحاث و أعادة تأهيل المراعي. وختاما فمن الضروري إنتهاز فرصة إعلان جلالة الملك عبدالله الثاني حفظة الله ورعاه لهذا العام 2009 عاما للزراعة بمناشدة المسؤولين ببدء الخطوات العملية لحماية نبات الغضا و غيره من النباتات المهددة و المعرضة للإنقراض.
المجلس الأعلى للعلوم و التكنولوجيا بالتعاون مع الجمعية الأردنية للبحث العلمي