البلد : نقاط : 200480 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .............2 الأحد يوليو 06, 2008 10:45 am | |
|
والحق أن كثيرا من القراء قد يتعجبون لإفراد هذا الحدث، الذي يعدونه حدثًا قصيرًا بسيطًا في التاريخ ببحث خاص. فالحدث تم في أقل من يوم واحد، وتاريخ المسلمين أربعة عشر قرنًا من الزمان، فهل نفرد له بحثا خاصـًا؟ ولماذا هذا الحدث بالذات؟ وأجيب عن هذا السؤال بنقاط خمس: أولا: دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، تعتبر من أهم الأمور التي يجب أن يحرص عليها المسلمين، ويجب أن يحرصوا على دراستها دراسة وافية، مستفيضة شاملة لكل نقاط حياتهم، فهي فترة من أهم فترات التاريخ الإسلامي، بل هي أهمها علي الإطلاق بعد فترة الرسول صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأن هذه الفترة تعتبر جزءًا من التشريع الخاص بالمسلمين، وقد يستغرب البعض أن هناك تشريعًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الواقع أن كثيرًا من الأمور جدت على حياة المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الأمور تحتاج إلى فقهٍ واجتهاد، فاجتهد فيها هؤلاء الأخيار واختاروا آراءً سديدة ساروا عليها، وسارت الأمة معهم، فكانت تشريعًا للمسلمين. حدثت أمورٌ ما كان لها شبيه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم منها هذا الحدث الذي نحن بصدده وهو: اختيار خليفة للمسلمين. ومنها فتوحات عظام في أراض شاسعة، وما تبع ذلك من أمور. ومنها أمور فقهية، ومنها شبهات أثيرت فدافعوا عنها. فترة جليلة حكم فيها خير المسلمين على الإطلاق، وكان المحكومون هم خير أهل الأرض بعد الأنبياء. من هنا نستطيع أن نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي رحمه الله، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه أيضا أبو داود رحمه الله عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَـتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قال: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِيشُ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا. وصدقت يا رسول الله، ونحن الآن نعيش في هذا الزمن الذي فيه اختلاف كثير، تشعبت بنا الطرق، وكثرت عندنا المناهج، وتعددت أمامنا الأساليب، فماذا نفعل؟ في أي طريق نسير؟ وأي المناهج نتبع؟ وأي الأساليب نختار؟ انظر إلى نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّهُ مَنْ يَعِيشُ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ (بالأضراس) وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ. عندما تتشعب الطرق عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا بالطبع مفهوم، لكن لماذا يضيف صلي الله عليه وسلم: وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؟ إذا كان الخلفاء الراشدون سيعيشون حياة ليس فيها اختلاف عن حياة الرسول صلي الله عليه وسلم، فإنه من الطبيعي والمنطقي أن يقلدوا الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، ولا يبقى مجال لاجتهادهم، ومن ثم لا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. لكن الواقع أن الأمور التي جدت على الأمة في عهدهم وضعت أشياء كثيرة كانت تحتاج إلى عقول ذكية، وقلوب طاهرة كعقول وقلوب الخلفاء الراشدين، فأصبح ما يفعلون ليس مقبولًا فقط، بل شَرْع للأمة إلى يوم الدين. خلاصة هذه النقطة أن دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين المهديين جزء من الدين والشرع، لا بد أن يعطي له المسلمون اهتمامًا خاصًا, وقصة الاستخلاف هي أول الأحداث في عهد الخلفاء؛ ولذلك سنتحدث عنها، ثم يليها إن شاء الله الحديث عن الأحداث الأخرى. ثانيا: الذي يهمنا في قصة استخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أننا سنستخلص أحكامًا وأمورًا هامة من هذه الحادثة تفيد جدًا في بناء الأمة الإسلامية بناءً صحيحـًا: ما هو معني الشورى؟ وكيف التصرف عند الاختلاف؟ وما هي طرق عرض وجهات النظر؟ ولماذا يختار رجلٌ دون آخرٍ لإمارة ما؟ وأمورٌ أخرى كثيرة سيتم مناقشتها في مكانها إن شاء الله. ثالثا: أن هذا الحدث الهام هو بداية حياة المسلمين بدون رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن هذا أمر يدعو إلى الاهتمام، فغياب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرُ صعب، والأصعب من ذلك غياب الوحي وانقطاعه عن الأرض إلى يوم القيامة، يظهر هذا واضحًا من قصة أم أيمن: روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي لَا أَبْكِي أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيِ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ مَعَهَا. الصحابة كانوا يعيشون الوحي، وتخيل معي الأمر الغريب، كل يوم أو يومين يحدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريده الله عز وجل منهم. الله يقول لكم كذا. الله ينهاكم عن كذا. الله غفر لفلان. الله يحب فلان. الله يبشر فلان بالجنة. الله يوضح لكم سبب النصر في هذه الغزوة، والله يوضح لكم سبب الهزيمة في غزوة أخرى. إذا اختلفوا نزل الوحي يؤيد رأيا على رأي، ويعدل المسار ويصحح الوجهة. وفجأة انقطع الوحي بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، وانقطعت العلاقة التفاعلية بين الصحابة وبين الله عز وجل، وأصبح عليهم أن يجتهدوا في أن يعرفوا: أين غضب الله؟ وأين رضاه؟ إذا اختلفوا عليهم أن يختاروا رأيـًا دون انتظار التعديل الإلهي، نعم وضع الله ورسوله لهم قواعد محددة للسير عليها، ولكن شتان بين الموقف قبل انقطاع الوحي، والموقف بعد انقطاع الوحي. وحادثة استخلاف أبي بكر الصديق هي أولى الحوادث التي تمت في هذا الجو، ولا بد أن في دراستها عبرًا لا تحصى، وفوائد لا تقدر بثمن. رابعا: وتأتي أهمية حادث الاستخلاف أيضا في أنه تبعه أحداث جسام في حياة المسلمين ما كانت لتتم لولا أن اختار المسلمون أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليكون خليفة للمسلمين، فالرجل له طابع يختلف عن كثير من الصحابة، سنتعرف عليه إن شاء الله في هذه السطور، وستشعر كم كان الله رحيمًا بالمؤمنين، ومسدِدًا لخطاهم لَمّا يسر لهم اختيار هذا الصحابي الجليل لهذه المهمة الثقيلة، مهمة خلافة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. على سبيل المثال: حرب الردة، فلولا أبو بكر الصديق لما كانت تلك الحروب الضارية الدامية الواسعة النطاق. أيضا الفتوحات الإسلامية العجيبة لدولة فارس والروم، أحداث من العجب أن تتكرر على هذه الصورة، إلا بقيادة مثل قيادة أبي بكر الصديق، قد يكون من السهل على من تبعه من خلفاء أن يقوموا بالفتوحات من بعده؛ لأنه فتح لهم الطريق، لكن يبقى الأثر أعمق، والأجر أعظم لمن بدأ بسَنّ سُنّة حسنة تبعه فيها الآخرون. حادث الاستخلاف هو النقطة التي انطلقت منها الأمة إلى هذه الأحداث الجسام، فلابد أن دراسة هذه الفترة ستلقي بظلال هامة على هذه الأحداث العجيبة. خامسا: ومن أهمية دراسة هذا الحدث الخطير أيضا أنه كثر طعن المستشرقين واتباعهم في كل من شارك في هذه العملية الهامة. لم يتركوا أحدا، ضربوا كل الرموز الإسلامية العظيمة، وأظهروا الأمر على أسوأ ما يكون، طعنوا في أبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة بن الجراح، وعائشة، وسعد بن عبادة، وزيد بن ثابت، وأبي هريرة، والسيدة فاطمة، بل طعنوا في علي بن أبي طالب في صورة الثناء عليه، وذموه في صورة المدح، طعنوا في العباس بن المطلب عم رسول الله صلي الله عليه وسلم. خلاصة الأمر أنهم أخرجوا لنا صورة مهلهلة قبيحة لخير الأجيال، وخير القرون. فإن كان هم كذلك، فأي خير يرتجي مَن جاء مِن بعدهم؟ وأخطر من ذلك: إن كانوا هم كذلك فكيف نأخذ ديننا عن طريقهم؟ وكيف نقبل باجتهادهم؟ فالمستشرقون بذلك يضربون الدين في عمقه ويدمرون الإسلام في أصوله. هذا الكلام، ليس تاريخا قديما فعله بعض المستشرقين في السابق، والحال الآن غير ذلك، بل هذا الكلام ما زال يتردد في أفواه بعض من يدرسون التاريخ في الجامعات المتخصصة سواء في الجامعات المحلية، أو الجامعات الغربية التي تفتح فروعا في البلاد الإسلامية، وبالطبع يردد أيضا بكثرة في الجامعات الغربية في خارج الأقطار الإسلامية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين. هنا وجب علينا أن ندفع هذه الشبهات، وأن نوضح للناس الصورة الحقيقية للأحداث التي تمت بخصوص هذه القصة، قصة استخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أجمعين. لهذه الأسباب مجتمعة فإننا نستعين بالله في شرح هذا الحدث، وسنتبعه بغيره إن شاء الله، فتاريخ المسلمين بحق بحرٌ لا ساحل له. ولكي نفهم هذا الحدث الكبير، ولكي نستوعب اختيار أبي بكر الصديق خليفة للمسلمين، لا بد أن ندرس في البداية شخصية هذا الرجل النادر. لا بد أن نعرض لطرف بسيط من حياته. نحن لا نستطيع أن نفتح الباب على مصراعيه لرؤية شخصية هذا الرجل الفذ العملاق، نحن فقط نلقي نظرةً على استيحاء لنعرف: ما هذا؟ ما هي مفاتيح الشخصية عنده؟ ما سر هذه الرؤية الواضحة عنده في كل الأمور؟ ما سر هذه الدرجة الرفيعة التي نالها في دنياه وآخرته؟ أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصية عجيبة جمعت بين طياتها الرقة والشدة، والرحمة والقوة، والأناة والسرعة، والتواضع والعظمة، والبساطة والفطنة. شخصية عجيبة، جمعت كل ذلك، وأضعافه من فضائل الأخلاق والطباع، وهبه الله حلاوة المنطق، وطلاقة اللسان، وقوة الحجة، وسداد الرأي، ونفاذ البصيرة، وسعة الأفق، وبعد النظرة، وصلابة الغزيمة، كل هذا وغيره، وليس بنبي، إن هذا لشيء عجيب. فشخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه شخصية عجيبة ما تكررت في التاريخ. انظر تقييم علي بن أبي طالب لهذه الشخصية، أخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب قال: قلت لأبي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أَبُو بَكْر. قلت: ثُمَّ مَنْ؟ قال: عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قال:مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وهذا تواضع من علي بن أبي طالب. تُرى كيف كانت شخصية هذا الرجل الذي هو خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزء من حديث رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ. فهذه مقامات عالية جدا، فأبو بكر الصديق كما في الحديث من أَمَنّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي أكثرهم مِنّة وفضلًا. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ الله خليلا ولولا ذلك لاتخذ أبا بكر؛ أي أنه لو اصطفى من البشر خليلا لكان أبو بكر رضي الله عنه، ولكن أخوة الإسلام. كيف يكون هذا الرجل الذي ظفر بتلك المنزلة الراقية؟ وكيف وصل إليها؟ لا نريد دراسة أكاديمية لحياة أبي بكر الصديق، ولكن أحب أن نبحث في مفاتيح شخصية هذا الرجل العظيم، كيف تسهل عليه فعل كل هذا الخير؟ وكيف حافظ عليه؟ ثم هل من سبيل بعد معرفة هذا أن نقلده فيما فعل، فنصل إلى ما إليه وصل؟ - بتحليل شخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وجدت أنه يتميز عن غيره في جوانب كثيرة من أهمها خمسة أمور، من هذه الأمور الخمسة تنبثق معظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه: - حب رسول الله صلى الله عليه وسلم - رقة القلب، ولين الجانب - السبق والحسم - إنكـار الذات - الثـبـات وهذه الصفات الخمسة هي التي سنتناولها في الجزء الأول من البحث، بإذن الله. أمـا في الجزء الثاني، فسنتوقف عند أحداث السقيفة، لكي نتناول بشيء من التفصيل: - أحداث يوم السقيفة. - شروط الاستخلاف. - استخلاف الصديق بين التلميح والتصريح. - شبهات حول استخلاف الصديق. ثم ننتهي بعد ذلك إلى: .دروس من حياة الصديق رضي الله عنه أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا... حبه الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحبه حبًا خالصًا خالط لحمه ودماءه وعظامه وروحه حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، والصحابة جميعا أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما فريدًا، ولكن ليس كحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. هذا الحب الذي فاق حب المال والولد والأهل والبلد، بل فاق حب الدنيا جميعها. وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكملات الإيمان، فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أشد الناس إيمانا، فهو إذن أشد الناس حبا للرسول صلى الله عليه وسلم، ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ. هذا الحب المتناهي، له دليل من كل موقف من مواقف السيرة تقريبا، ولو تتبعت رحلة الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيت حبا قلما تكرر في التاريخ. وتعالوا نقلب الصفحات في حادث واحد فقط هو حادث الهجرة إلى المدينة المنورة: - لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في ساعة لم يكن يأتيهم فيها، أول ما قاله أبو بكر قال: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. - ولما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الهجرة قال أبو بكر الصديق بلهفة: الصُّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصُّحْبَةُ. فماذا كان رد فعل أبي بكر لما علم أنه سيصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أترك لكم السيدة عائشة تصور هذا الحدث:
نتابع
| |
|