موضوع: ميكيل ..والحضارة العربية الإسلامية الإثنين يوليو 25, 2011 6:49 pm
ميكيل.. والحضارة العربية الإسلامية
شمس الدين الكيلاني- ولد أندريه ميكيل سنة 1929، ودرس العربية على يد بلاشير، وعمل عقب تخرجه في دمشق وبيروت وإثيوبيا في الخمسينات، عيّن سنة 1961 مستشاراً ثقافياً لفرنسا في مصر، اقترب من انتاج نجيب محفوظ وغيره من الأدباء المصريين والعرب المعاصرين، عمل بالتدريس في الجامعات في فرنسا منذ سنة 1968 وشغل منصب مدير معهد لغات الشرق والهند وشمال افريقيا بجامعة السوربون الجديدة، ثم انتخب أستاذاً لكرسي الأدب العربي في الكولج دي فرانس سنة 1975، وقدم للمكتبة العالمية أكثر من مائة وخمس وثمانين دراسة، في التأليف والترجمة، وترجم عن العربية ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، وكتاب المقدسي (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) ومختارات من الشعر العربي. لكن أهم أعماله كتابه الموسوعي الشهير عن (جغرافية دار الإسلام البشرية)، وكتابه (الإسلام وحضارته). عندما شرع بتأليف (جغرافية دار الإسلام البشرية) وضع أمامه هدفاً، وهو تناول نصوص هذه الجغرافية ليس باعتبارها شواهد على الواقع التاريخي الموضوعي، بل إحياء عالم مُتخيّل كوّنته ضمائر البشر آنذاك، وأدركته وتخيّلته. وسؤاله الأهم: ماذا كان يعني البحر، والنهر، والمدينة، والضريبة والحدود، من وجهة نظر وتصور مسلم عاش قبل ألف عام. اختار لبحثه إطاراً زمنياً يشمل التأليف الجغرافي ما بين منتصف القرن التاسع الى منتصف القرن 11م، أي يبدأ بكتاب ابن خرداذبة كأول مؤلف جغرافي بلداني، الذي تواقت مع ظهور حركات فكرية تطرح خيارات كبرى، مع بروز ثلاثة عوامل ساهمت في بعث الروح الجغرافية، أولها يتعلق بتأثير حركة أنوار عصر المأمون (813 ـ 833)، والثاني يتعلق بازدهار العلوم التقليدية لا سيما التاريخ، والعامل الثالث يتعلق ببروز نخبة من المفكرين حول: ابن قتيبة والجاحظ. وينتهي بحثه بتاريخ 1050 لاعتبارات عدة، فقد اعتبر مؤرخو الإسلام هذا التاريخ، منعطفاً حاسماً، وذلك بسبب أحداث جسام: ظفر العنصر الطوراني السياسي، وعودة العرب الى الظهور، وازدهار الثقافة غير العربية، والاختناق الاقتصادي. وثانياً لحصول تبدل جذري في الروح المحركة للجغرافية العربية لزوال فكرة مملكة الإسلام في التأليف الجغرافي، مع زوال الإمبراطورية العربية الإسلامية التي كانت تغذي التأليف الجغرافي، وزوال الحلم الكبير بقيام خلافة واحدة للإسلام. وحاول، في كتابه (الإسلام وحضارته)، إعطاء صورة شاملة عن الإسلام وعن إسهامه الحضاري وأثره في الحضارة الإنسانية، فأخذ الإسلام كما يأخذه المسلمون عموماً: ككل واحد، وبناء على ذلك فلم يعنِ بالإسلام العقيدة فحسب، وإنما مجمل حياة الشعوب التي شكلتها الحضارة الإسلامية، بما يتضمن ذلك من تحولات دينية فرضها هذا الانتشار للإسلام، ومن مواقف سياسية، وأشكال معمارية، والأسلوب الذي يعيش به العالم الإسلامي، وأيضاً النتائج الناجمة عن تأسيس امبراطورية كبرى تقع في موقع جغرافي مميز، مفتوح على شتى طرق المبادلات التجارية والثقافية، وتشارك في الوقت نفسه في مصير العالم. فتعرض كتابه (الإسلام وحضارته) لكل تلك الموضوعات الكبرى. وباختصار حاول أن يعالج الإسلام من مختلف وجهات النظر الحضارية والمادية والروحية، منطلقاً من افتراض مفاده: «ان حضارة الإسلام تنضم برمتها تحت وحدة ثابتة، فالمسلمون مهما بلغت اختلافاتهم المذهبية يعرفون أنهم متحدون في نقاط عدة أساسية، من هنا فهم يمثلون جماعة مترابطة ومختلفة عن كل ما هو خارج الإسلام». ويلاحظ من الزاوية التاريخية، السرعة الهائلة التي أقيمت بها الامبراطورية العربية الإسلامية، لدرجة أنه ما يزال هذا التاريخ يراود أبناءه بدلالة نغمة الوحدة العربية المعاصرة. ويرى من زاوية المكان، أن السمة البارزة لهذه الامبراطورية هي أن الصحراء تقوم بدور أساسي ببلاد الإسلام التي احتلت موقعاً فريداً عند مفترق الطرق التجارية العالمية. بالإضافة للحدود البحرية الشاسعة، فعنده أن الحضارة الإسلامية نشأت وترعرت في الأماكن النادرة بالسكان في صحارى بلاد العرب، وستقيم هذه الحضارة مدناً جديدة و»كل هذه المدن، سواء كانت أماكن لتجمع القوافل، أو مراكز عبور أو مخازن أو موانئ فقد تم إنشاؤها ببراعة وكلها مرتبطة بالتجارة، وتمثل في الوقت نفسه أماكن للانتاج والاستهلاك والتبادل، ودعائم للمال والسياسة والفنون والآداب. فإذا لم يكن الإسلام قد خلق إلا القاهرة وبغداد فإن هذين الاسمين يكفيان لتكوين مجده العظيم»، فالعالم الإسلامي خلق نوعاً من التوازن بين الحضر والرحل. «فالمدينة مركز للحضر ثابت تناقض بكتلتها ومؤسساتها وثقافتها تحرك الصحراء». وتخترق البلاد أوعية التبادل التجارية الكبرى. وقد أعطى الإسلام كدين «الدفعة الأولى لهذه الحضارة»، وظل أحد دعائمها حتى العصر الحديث. وبقيت الثقافة الملتفة حول الإسلام تمثل (الإمكانية المقومة للهجمات التحتية والخارجية)». وقد رأى ميكيل أن الإسلام مرّ بأربع مراحل: مرحلة التوسع والانطلاق تنتهي بعام 750م، كان الإسلام حينها دولة العرب، ثم مرحلة استقرار الإسلام وتنتهي بعام 1050م. كان فيها على اتصال وتفاعل مع الحضارات الأخرى، وحيث انتزعت من العرب إدارة العالم الإسلامي. المرحلة الثالثة تنتهي بعام 1800، توسع الإسلام في آسيا الوسطى والمغول وبخاصة الأتراك، الى جانب تقدمه في افريقيا ونجاحه الذي ارتبط «بمرونته واحترامه للمؤسسات الأخرى على النطاق العائلي أو الثقافي»، ويرى بشأن الإسلام في المحيط الهندي، اختلط بالتاريخ وبكيان ومستقبل المجتمعات المحلية منذ زمن مديد، وهناك التوسع العثماني في أوروبا. أما المرحلة الأخيرة للإسلام فهي مرحلة واجه فيها الإسلام الحياة العصرية، برز العرب «ثانية كأبطال أو قادة لا منازع لهم للعالم الإسلامي. بعد أن انطلق التاريخ الحديث من الغرب. وقد أثر الاستعمار «على صحوة الإسلام ثقافياً وسياسياً»، مما نتج عنه تحولات جذرية، غير أن ميزان القوى الذي ساد طوال القرن التاسع عشر لصالح الغرب بدأ يتغير بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت حركات التحرر»، ولقد حاول ميكيل تفحص العالم الإسلامي في مراحله الأربع تلك، وحاول في سياق ذلك استعراض مشاكله الحديثة وبالمقابل الجهود المبذولة لحلها، وهو يعتقد أن مستقبل العالم الإسلامي يتعلق بالإجابة على سؤالين: أولهما يتعلق بتعريف الإسلام كقوة تجمع، والثاني يتعلق بإمكانية اتفاقه مع العالم الجديد.