موضوع: تحايا القبعات الثلاثاء يونيو 07, 2011 10:53 am
تحايا القبعات
كريمان الكيالي
العلاقات بين الناس ، لم تعد بذات الدفء السابق.. مفردات العصر جعلت الناس أقل تواصلا «ما حد بيزور حد» هذه الأيام، الا بمناسبة او لغرض ما، والتعذر بالانشغال والقول «مافي وقت»، مبرر يتم تقديمه دائما في مواجهة التقصير بالالتزامات الاجتماعية . انشغل الناس واستغنوا عن بعضهم البعض ، الأهل يتزاورون في الأعياد، والأصدقاء يتصلون ببعضهم عند الحاجة ، والجيران لايعرف بعضهم البعض ، وفي وصف ساخر لطبيعة هذه العلاقات ،يقول باحث اجتماعي عربي «إنها أشبه بتحايا القبعات « ،التي كانت تقليدا شائعا في أوروبا بالعصور الوسطى، حين كان يتم تبادل التحية برفع مقدمة القبعة ، التي يضعها الشخص على رأسه بحركة بسيطة . التكنولوجيا حرمت كثيرين من الحميمية والود المتبادل ، قربت البعيد وابعدت القريب ، كما احدثت العولمة تحولات في المجتمعات العربية، تكرست من خلالها النزعة الاستهلاكية ولغة المنفعة ،وتسببت في فوضى اجتماعية في العالم كله ،دفعت حتى المجتمعات الغربية ،لتفضيل القيم التي كانت سائدة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ،بحسب استطلاع ل»الاكاديمية البرازيلية للتضامن والاخوة بين الناس» . الحياة تغيرت ،أصبحت أكثر تعقيدا ، ومسج بالموبايل تقوم بالواجب، حتى في أهم المناسبات الاجتماعية، وغرف الدردشة حلت محل الزيارات المتبادلة ، والعاب الكمبيوتر توفرالتسلية والترفيه للصغار والكبار ، وهذا كله أدى الى تغير واضح في بنية الاسرة العربية ، بحسب استاذ علم الاجتماع - عميد كلية الاعلام بجامعة الشرق الاوسط «د.حلمي ساري « ، فنمط الأسرة الممتد والذي كان يتسم بعمق العلاقات الاجتماعية بين أفرادها والآخرين تحول إلى أسرة نووية صغيرة تتميز بالانطوائية على الذات ،وادى الى تراجع وانكماش في العلاقات ، وعزز من ذلك ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة و ثورة التكنولوجيا، بما حملته من وسائل اتصال جماهيرية بدءا بالموبايل والبريد الالكتروني والفيس بوك والتويتر وغيرها،والتي تسببت في تراجع ملحوظ في العلاقات الاجتماعية القرابية الجمعية، فاصبحت العلاقات فردية اكثر، مما يدعو المجتمع للتوفيق بين الفردية والجمعية ،وتخطي ما ينجم عن تكنولوجيا الاتصال من تطور مذهل انعكس على الود بين الناس بشكل سلبي للغاية. الظروف الاقتصادية ،جعلت الفتور بين الناس خيارا لابد منه ، البعض يكتفي بأداء الواجبات في الافراح والاتراح ، او يزور أقاربه من العيد للعيد ، مثل «ابو انس»الذي يستغرق عمله كل يومه ، وليس لديه وقت لتبادل الزيارات التي اصبحت هذه الايام مكلفة بحسب قوله ، فيما تضيف « لبنى « بأن مسؤوليات الحياة تغتال الوقت والجهد ، والزيارات تحتاج الى وقت واستعداد نفسي ومادي، فهي مشغولة مابين البيت والعمل ومسؤوليات الابناء، و نادرا ما تستقبل زوارا، بل ان التواصل بينها وبين الاقارب والاصدقاء ،غالبا مايكون بمسجات الموبايل اوالمكالمات. التكنولوجيا التهمت الود الجميل ،حتى بين افراد الاسرة الواحدة ، وتسببت في اثارة مشاكل بين الازواج ، وتشكو «ميس « بأن زوجها «مدمن انترنت «، يقضي ساعات طويلة في المحادثة عبر الشبكة العنكبوتية ، بعد ان يعود من عمله ، والاسرة لاتكاد تلتقي سوى اثناء تناول وجبة الغذاء . يبدو ان دوى الفتور انتقل للمجتمع الريفي ،الذي طالما تميز بالبساطة ومتانة العلاقات بين الناس ، لم يعد هناك حماس لتبادل الزيارات كما في السابق ، ويقول «ابومحمد 75عاما»من ديرعلا بالأغوار الوسطى بأن الاعياد والاعراس وبيوت العزاء وقدوم مولود، هي المناسبات التي تجمعه بالاقارب والجيران وربما مثله كثيرون وذلك بسبب ظروف الحياة الصعبة. غير ان اجازة الصيف ، وقدوم المغتربين تنعش الحياة الاجتماعية في المدينة والقرية ، إذ من الصعب التخلي عن واجبات الضيافة مهما بلغ ضيق الحال وتغولت التكنولوجيا !!