موضوع: الأرنب المتلوّن ... سيد الشمال المتجمّد الأحد مايو 15, 2011 10:05 am
الأرنب المتلّون... سيد الشمال المتجمّد
عادل محمد علي الحجاج
قال الرحالة الأميركي ألن ديفو، عن هذا الأرنب: (انه مخلوق تمثل صورته للناس شتاء الغابات المتجمدة في الشمال، وتمثل طبائعه قدرة الحياة على التكيف مع البيئة). الأرنب القطبي Arctichare حيوان صغير الجسم، ابيض الشعر، طويل الأذنين يقطن الغابات في أقاصي الشمال المتجمد. كثير الحركة والنشاط، له أطراف تكتسي شتاءً خفاً كالخف المبطن الذي يلبسه الناس، يقيه من الغوص في ذلك الثلج الناعم اللين، ويساعده ان يتحرك في جو تعجز فيه عن الحركة جميع الحيوانات والطيور إلا واحد يسمى عصفور الصَّعْو. يغير الأرنب القطبي لون شعره فيكون في الشتاء ابيض ناصعاً كالثلج، وفي الصيف أغبر قاتماً ومن هنا لقب في أمريكا الشمالية بهذا الاسم: الأرنب المتلون. ويطلق عليه هنود الغابات الأمريكية الشمالية اسم وباسو. وقد نسج هؤلاء الهنود الكثير من الأساطير والخرافات حول هذا الأرنب وشبهوا به بطلاً على هيئة الأرنب لما يتميز به من المراوغة والتلون والخفة والحذاقة. طول قدم الأرنب القطبي ضعف طول قدم الأرنب الاعتيادي أو المدجن. اما أصابعها فمفرطحة متباعدة وليست مدمجة مجتمعة. فإذا دنا الشتاء نبت على أقدامه فرو ابيض كثيف، ويظل يزداد حتى إذا سقط الثلج تكون قد صارت خفافاً عريضة لينة خفيفة المواطئ، فتمكنه من ان يثبت فوق الثلج دون أن يغوص فيها. فهو يثب وثباً واسعاً خفيفاً رشيقاً لا يكاد يترك على الثلوج أثراً، وهو سباح ماهر يستعين بأرجله وأيديه على شكل مجاديف لشق عباب الماء بسهولة. وفي أواسط الشتاء القارس، وفي ذلك الفضاء الأشهب، لاتكاد ترى شيئاً يتحرك سوى هذا المخلوق الصغير الأبيض اللون. يعيش الأرنب القطبي حياته القصيرة الخاطفة في رقعة ضيقة من الأرض. فمنذ تولد صغاره غُبر الألوان كل 3 أو 4 منها في بطن، ومهدها في جذع شجرة أو في حجر مبطن بأوراق الشجر إلى أن يموت. وهو قلما يبعد متجولاً خارج الرقعة التي ولد فيها. ويشير الرحالة والعالم البيولوجي روى تشابمان اندروز إلى ان هذا الحيوان له ثلاث مزايا هامة حفظت عليه حياته وتكاثره وهي: تغير لونه شتاءً وصيفاً، وأكله كل طعام يتوفر له، وكثرة نسله وولادته. بالإضافة إلى سرعته العظيمة في العدو والتملص بشكل كبير من قبضة أعدائه. وفي موسم التزاوج تبدأ عملية قاسية من العراك العنيف بين الذكور للفوز بإحدى الإناث، حتى يصل الأمر ان يحاول كل منهم أن يبقر بطن خصمه. ويتغذى الأرنب القطبي على أي شيء تقريباً فعند تراكم الثلوج ووعورة الطرق فهو يأكل حتى لحاء شجر الحور والصفصاف وشجر الأرز الشمالي والصنوبر مع مرارته وحرافته، حتى يتشبع جسمه بصمغ هذا الشجر اللاذع مما لايستطيع إنسان أن يأكل منه. ويشير العديد من الصيادين في تلك الأصقاع المتجمدة ان بعض هذه الأرانب تأتي الفخاخ المنصوبة للحيوانات آكلة اللحوم كالدببة فتختطف منها اللحم المتجمد وتأكله. وأنعم الله سبحانه على هذا الأرنب بنعمة تغير الفرو وهي ما تسمى في علم البيئة محاكاة الطبيعة. فهو في الصيف اغبر اللون، فإذا انبطح على الأرض غاب عن الأبصار. وهو في الشتاء ابيض اللون فإذا انبطح في الثلج ضلت عنه الأبصار أيضاً. وتبين لعلماء الأحياء ان تغير لون الأرنب القطبي يرجع في الحقيقة إلى سقوط شعر الفرو ونمو شعر غيره. والملفت في الأمر انه لو نتفت خصلة من شعر هذا الأرنب في زمن الخريف، لنبت مكانها شعر جديد ابيض كالثلج توقعاً للتغيّر في زمن الشتاء. وعلى نقيض ذلك يكون شأنه إذا نتفت خصلة منه في زمن الربيع إذ ينبت مكانها شعر اغبر قاتم توقعاً للتغيّر في زمن الصيف. وهذا الأرنب مطلوب للكل من اجل اصطياده واكله من الإنسان إلى البوم والصقر والوشق والثعلب والذئب والنمس. كما إن الأمراض الفتاكة والطفيليات التي تغزو جسمه تقضي على حشوده الضخمة من التوالد السريع والمتكرر، فهذه الأرانب تتكاثر بشكل هائل إذ في كل شهر يتوالد ما بين (4-5) أرانب. ومن عجائب الطبيعة هناك ترى تعاوناً بين الأرنب القطبي وعصفور الصعو الثلجي، فهذا الطائر الصغير يستخدم فرو الأرنب كبطانة لعشه ومن اجل راحة أفراخه، ويتناول من جسم الأرنب عند الراحة الطفيليات الفتاكة التي تعشش في فرو هذا الحيوان اللبون. إنها تبادل منفعة ومصالح مشتركة في تلك المناطق ذات الحياة الصعبة والقاسية في كل شيء تقريباً.