لمسة أمل
لمسة أمل
لمسة أمل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لمسة أمل


 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبلُ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





البلد : حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبلُ Jo10
نقاط : 200490
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبلُ Empty
مُساهمةموضوع: حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبلُ   حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبلُ Icon_minitimeالثلاثاء مايو 03, 2011 12:28 pm




حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبِلُ




إبراهيم كشت - أزعم أن حجم المبالغة في حياتنا يفوق ما نتوقّع، سواء فيما يصدر عنّا أو ما نتلقاه من رسائل لفظية أو غير لفظية، مكتوبة أو شفهية، صريحة أو رمزيّة . لكن الأمر يحتاج إلى توقّف وتدقيق ومراجعة ؛ لنكتشف مقدار هذه المبالغة بأنواعها، ومن ثم لنتبيّن آثارها في تفكيرنا، وفي تعاملنا مع الأشخاص والأفكار والأشياء . وهذا ما سأحاول أن أشير إليه، ولو بوميض ضوء سريع، لا يفي الموضوع حقه، وإنما يُلمحُ ويومىء، بقدر ما تتيحه مساحة المقال .
المبالغة ليست كالافتراء، فهي لا تستند إلى وقائع غير موجودة، وإنما تعتمد على وقائع وأحداث ومعلومات صادقة وقائمة من حيث المبدأ والأصل، إلا أن الذي يرويها أو يصفها أو يعبّر عنها يَعمَدُ إلى التحوير في تفاصيلها، أو التغيير في معطياتها وملامحها، سواء بالإضافة أو الحذف أو التعديل، وغالباً ما يلجأ في ذلك إلى التهويل، وإضافة المؤثرات وأساليب التشويق، التي تجعل الحديث أكثر إلفاتاً وجذباً وإثارة، سعياً نحو التأثير في المتلقي، تأثيراً يتناسب مع دوافع وأهداف المُرسِل (المتحدث أو الكاتب مثلاً)، وقد لا تعدو تلك الدوافع أن تكون أحياناً نفسية بحتة، أو يكون الهدف منها مجرد محاولة إثبات رأي أو فكرة . إلا أن مآرب المبالغة وبواعثها قد تكون أعمق من ذلك وأبعد، حين ترمي لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو مالية، ومن ذلك المبالغة التي تدخل في صميم الشائعات غالباً، والمبالغات التي تلجأ إليها وسائل الإعلام أحياناً، أو التي تتضمنها بعض الخطابات والكتابات، إضافة إلى ما تتضمنه وسائل الترويج والدعايات، ناهيك عن المبالغات التي تسود في مجال العلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل، والتي تهدف عادة إلى التقليل من شأن الآخرين، وتشويه سمعتهم وإيذائهم، تحقيقاً لمآرب نفسية، أو مصالح مادية .
رغم ما تقدم فإن المبالغة ضمن حدود معينة تعدُّ مقبولة وطبيعية ومبررة، وذلك حين تكون أداة من أدوات بعض أنواع الفنون والآداب، فالمبالغة مثلاً جزء أساسي من (البيان) بما فيه من تشبيه ومجاز وكناية . وهي (أي المبالغة) عنصر يعتمد عليه الكاريكاتير، والدراما، وكذلك النكتة (بالنظر إليها كنوع من الأدب الشعبي)، ومما يبرر للفن (ومنه الأدب) اعتماده في كثير من الأحيان على المبالغة، أنه يعبّر عن مشاعر، يحتاج توضيحها ونقلها إلى المتلقي إلى صور تحمل بطبيعتها مثل هذه المبالغة .
وتظهر المبالغات في لغتنا العامية واضحة، فقد تسأل شخصاً عن الطقس في الخارج مثلاً، ويكون يومها حارّاً، فيجيبك : (الطقس نار)، وربما تسأل مُتعَباً عن أحواله، فيرد عليك : (ميّت من التعب)، وتسأل شخصاً مالاًّ ضجراً عن أموره، فيقول : (طالعه روحي)، ويمكننا بطبيعة الحال أن نأتي بعشرات الأمثلة على مثل هذه المبالغات . وهي في الحقيقة مبالغات لا يقصد بها الكذب، ولا تُسبب لَبساً لدى من يسمعها، حيث يفهم منها قصد المتحدث فوراً، فكأنها عبارات جاءت على الحقيقة وليس على المجاز . لكن ما يُخشى منه هو أن تؤثر مثل هذه التعابير القائمة على المبالغة في تفكيرنا وعاداتنا اللغوية، وفي سمة الخطاب الذي نستخدمه، فتصبح (أي المبالغة) وكأنها جزء عادي ومباح من أقوالنا لا حرج فيه .
ولكي أوضح الفكرة الأخيرة، أقول إن اعتيادنا على اللغة التي تستخدم المبالغة فيما لا يضرُّ، قد يؤدي إلى فقداننا الإحساس بقيمة (الصدق) وقيمة (الدقّة)، مما يُؤدي إلى المبالغة التي تضرّ، وإلى المبالغة فيما يجب تحري الصدق والدقة فيه . فقد أصبح عادياً لدينا أن نستخدم مثلاً عبارة (خمس دقائق) للتعبير عن أي وقت نريد أن نوحي بأنه قصير . فربما تكون على موعد مع شخص، فيسألكَ : متى تصل ؟ فتجيب تلقائياً : (خلال خمس دقائق)، بينما يكون قَطْعُ المسافة إليه مما يستغرق عشرين دقيقة مثلاً، وهذه مبالغة في التقليل تتعلق بالوقت وبالتعامل، وبالتالي فإن لها آثارها السلبية . أضف لما تقدم أننا قد اعتدنا استخدام المبالغة في الجزم، فنحن نستخدم في أحاديثنا وكتاباتنا عادة عبارات مثل (ومن المعروف)، (لا شك)، (لا يختلف اثنان على) مع أنه ليس في الدنيا حقائق معروفة للجميع، أو ليس فيها شك لدى أحد، أو لا يمكن أن يختلف عليها شخصان، وهذا النمط من المبالغة يؤثر مباشرة في تفكيرنا، لأنه يصور الأمور لنا بأنها جازمة لا تقبل إعادة التفكير أو المناقشة .
وربما أصبح عادياً لدينا أن تكون رواية القصص في الأحاديث والمجالس مُفعمة بالمبالغة، فنستمعُ إليها ونتفاعل ونضحك أو نحزن، ونحن نعرف في قرارة نفوسنا أن الألفاظ والعبارات والصور المستخدمة فضفاضة واسعة، وأكبر بكثير من الوقائع والحقائق. وهذه مبالغات تقبل بها الثقافة السائدة، وتساعد عليها لغتنا، بما فيها من إمكانية لاستخدام صيغ التفخيم والتضخيم، واستخدام أدوات البيان . إضافة إلى ما في التراث من مبالغات تتجاوز المعقول في الفخر بالقوم والفخر بالذات والمديح، بل وفي الهجاء كذلك، وكل ذلك يؤدي إلى رسوخ نهج المبالغة، وظهورها فيما يجب تحري الدقة فيه، كما في مجال الدراسات والأبحاث والعلوم والتاريخ والنقد والمخاطبات المتعلقة بالعمل والتي يعتبر دخول المبالغة إلى أيٍّ منها مشكلة حقيقية .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حجم المبالغة .. فيما نُرسِلُ ونستقبلُ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
لمسة أمل  :: المنتدايات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: