رجال ومواقف .. مصعب بن عمير .. جيل جديد يغير مفهوم النخبة في قريش
كاتب الموضوع
رسالة
البلد : نقاط : 200480 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
موضوع: رجال ومواقف .. مصعب بن عمير .. جيل جديد يغير مفهوم النخبة في قريش الأحد أغسطس 29, 2010 8:06 pm
رجال ومواقف - مصعب بن عمير .. جيل جديد يغير مفهوم النخبة في قريش
بامتياز يمثل مصعب بن عمير الأرستقراطية القرشية، فهو هاشمي، ولكن ليس من آل عبد المطلب الذين اضطروا لحمل مسؤولية الموقع الاجتماعي للهاشميين بكل ما يمثله من استحقاقات متواصلة وثقيلة، وبذلك استطاع أن ينعم برعاية كبيرة في كنف أهله جعلته أكثر شباب مكة بروزا وتألقا، بمعنى آخر مشروعا للسيادة ودخول الهاشميين من جديد في حلقة الثروة والعلاقات التجارية الواسعة، فهو الشاب النموذجي وفق المعايير السائدة في قريش، يمكن أن يكون مرشحا دائما لتمثيلها في الحركة التجارية وخاصة في الشام، فلم يكن موقعه مبنيا على تأنقه وثروة ذويه، وإنما على قدرته على استقطاب الاهتمام في المجالس المختلفة، إلا أن مجلسا واحدا لم يكن يرد في مخيلة القرشيين أن يطرقه أو يتوجه إليه، مجلس الأرقم بن الأرقم الذي بدأ يستقطب مجموعة من أبناء القبيلة ممن وصلوا إلى سن النضج بصورة أو أخرى، والأكثر من ذلك مجموعة من المهمشين والعبيد، أجواء لا يمكن أن تجتذب مصعبا، ولكن ما حدث أتى بمثابة الصدمة، ليس لذويه الذين تمسكوا بدين آبائهم وإنما لأهل مكة على عمومهم. إن التنكيل المعنوي والمادي الذي تعرض له مصعب بعد إسلامه أتى لرغبة في قريش في استغلال وجوده في بؤرة الاهتمام من قبل أقرانه ومجايليه للتركيز على ملامح النبذ والاقصاء التي تعرض لها، فبعد الثياب الغالية بدأ يرتدي الثياب الخشنة، تلك التي لا يرتديها سوى الفقراء المدقعين، بالنسبة لأهله وخاصة والدته ذات الشخصية القوية كانت الصدمة كبيرة ويجب أن تمارس شتى الضغوط لإعادته إلى مساره السليم من وجهة نظرها، لذلك تعرض للحبس في منزله إلا أنه تمكن من الالتحاق بالهجرة الأولى للحبشة، وجوده كان ضروريا، فالمسلمون يجب أن يمثلوا في تلك الأرض بالصورة التي تجعلهم شريحة مجتمعية متباينة، وكان مصعب ممثلا للنخبة، رجلا يمكنه أن يتصرف في حضرة الملوك، صحيح أن سمعة النجاشي كانت طيبة ولكن حاشيته غير مأمونة بنفس الدرجة، وبعودته إلى مكة تجددت محنته الأولى فكان عرضة للأذى الدائم، ليعود إلى الحبشة من جديد في الهجرة الثانية رغم ما لقيه من صعوبات أثناء السفر دون مال أو قدرة على تأمين الحد الأدنى من متطلباته. في غيابه حدثت العديد من التطورات المهمة في مسيرة الدعوة الإسلامية، فبدأ الرسول الكريم يتصل بأهل يثرب، وأصبحت الضرورة قائمة للتمهيد الفعلي للهجرة لتلك المدينة التي يمكن أن تمثل البيئة الخصبة لبناء المجتمع الإسلامي بعيدا عن الضغوط المستمرة من قريش وحلفائها، لذلك كانت مهمة كبيرة بانتظار مصعب بمجرد عودته من الحبشة ليكون كما عرف دائما أول سفير في الإسلام، لم تكن مجرد سفارة عادية، إنما هي مسألة بالغة الأهمية، فهي مهمة لا تقبل الفشل، تحتاج إلى رجل استثنائي في قدرته على احتواء الآخرين ونشر الدين الإسلامي من خلال ممارساته الأخلاقية الرفيعة، وإدراكه للعناصر العقائدية والاجتماعية المكونة للرسالة الإسلامية، تحتاج إلى شخصية مثقفة وهو الأمر الذي لم يتوفر في كثير من العرب في ذلك الوقت، يوجد شخصيات على فطنة كبيرة وذكاء اجتماعي متفوق، ولكنه ليست مؤهلة تماما لمثل هذه المهمة في يثرب، كانت شخصية مصعب ومكانته تجعله مؤهلا لمخاطبة سادة المدينة، ولكنه انصرف أولا للتعامل مع الضعفاء وفق التصنيف القائم في ذلك المجتمع، فلم يطرق الأبواب ولم يجعل هدفه مقتصرا على سادة المدينة، فذلك المفهوم التقليدي والضيق خلفه وراءه منذ سنوات وتغيرت الصورة التي ينظر بها للناس، ثم أن أحدا في المدينة كلها لم يكن ليفوقه لو آلت المسألة لهذه المفاهيم القديمة. ربما تدين يثرب في إسلامها بصورة جوهرية لمصعب بن عمير الذي أقام أول صلاة للجمعة في المدينة، وعمل على تمهيد الأرض بصور جدية لمقدم الرسول الكريم وأصحابه من مكة، تلك الهجرة التي غيرت وجه الجزيرة العربية ومن ثم العالم بأكمله، إلا أن مصعبا لم يكن لديه مطالب فهو لم يعد يبحث عن السيادة، وتجربته الزهدية التي عايشها منذ دخوله الإسلام وتجواله الحاد والصعب بين قمة الكينونة الإجتماعية وأدنى درجاتها في سفره إلى الحبشة جعلت رؤيته للعالم أوسع.
منقول
رجال ومواقف .. مصعب بن عمير .. جيل جديد يغير مفهوم النخبة في قريش