موضوع: ميلان كونديرا الإثنين يوليو 26, 2010 4:34 pm
ميلان كونديرا
إنه المعلم الذي أعاد الرواية الأوروبية إلى الحياة بعد صدمة الحرب العالمية الثانية وموجة العبث الأدبي التي أتت لتبتعد بالرواية عن متلقيها الطبيعي والعادي، ولكن ذلك لم يدفع كونديرا ليكون بسيطا ومتاحا بسهولة لقارئه ولكنه اختار أن يدخله في اللعبة وأن يحمل في جعبته المئات من الكرات الملونة التي يخطأ القارئ دائما في تخمين أي كرة سيخرجها وفي أي منعطف سيفعل ذلك، كونديرا الذي حول الرواية إلى متعة فكرية ومغامرة غير محسوبة للقارئ الذي يكتشف مع كل رواية أن ذلك المعلم التشيكي ما زال يمتلك القدرة على خداعه في كل رواية جديدة. لا أحد يستطيع أن يكتب مثل كونديرا ببساطة لأنه هو من وضع الشروط واستطاع أن يختزل تراث الرواية الأوروبية في معطفه، فهو ذلك التفاعل الكيميائي المدهش بين نيتشه وجوته وكافكا و موزيل وهو صاحب الوصايا الجديدة في رواية القرن العشرين والراعي الرسمي للنظرية الجديدة في الكتابة، وبرغم أنه لم يكن يوما غزيرا في إنتاجه إلا أن كل رواية استطاعت أن تفتح عالما جديدا في الفكر بما قدمته من فرضيات بسيطة تزلزل القناعات الثابتة. حياته التي أتت حملت بذور التحولات الكبيرة وعايشت جدلية الصعود والانهيار لأكثر من مرة ألهمته قلقه الذي حوله إلى كتابة غير اعتيادية تنقلب على العالم الذي تستطيع فهمه وتعيد تشكيله من جديد فتضع الفكرة فوق الجميع حتى الشخصيات الروائية التي تظهر وتختفي وتتماهى بطريقة غريبة وكأنه ينبئ بالإنساني المطلق على حساب التفاصيل الشخصية. ينتمي كونديرا إلى ثقافة شرق أوروبا التي شهد صعود الحقبة الشيوعية فيها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ليجد المراهق الذي ولد في سنة 1929 لعائلة كبيرة نفسه فردا في تجربة جديدة تحاول إعادة صياغة شخصيته وتنميطها وحبسها ضمن منظومة فكرية جاهزة أطلق عليها كونديرا لاحقا الكيتش التي تصف حالة الأحكام المسبقة التي يتم تسويقها على الملايين، وفي خدمة هذا الكيتش قضى كونديرا سنوات من عمره وهو يدرس الموسيقى والأدب ليعمل بعد ذلك كاتبا ومترجما حتى وصل إلى نقطة اللا عودة مع مجتمعه بعد الأحداث الدامية التي شهدتها العاصمة براغ في سنة 1968 والتي عرفت لاحقا بربيع براغ ليقرر أن يهجر بلاده في مطلع السبعينيات إلى فرنسا، ويبدأ بفضح الممارسات الشيوعية في روايته كتاب الضحك والنسيان والتي أدت إلى إسقاط الجنسية التشيكية عنه ولكنه قدمه إلى العالم كروائي متميز. بعد هذه التجربة بدأ كونديرا في مناقشة مسألة الهوية في أعماله الروائية ومحاولة تفسير العديد من الظواهر التي عايشها في تجربته الطويلة والثرية واستمر في مناقشة الفكرة الإنسانية واغتراب الإنسان عن مجتمعه في إطار الأفكار التي يحملها والتي تحدد مواقفه من الحياة ليسخر بطريقته الخاصة من المسلمات التقليدية التي تؤدي إلى الخواء والعقم الفكري. لم يحصل كونديرا على جائزة نوبل ويبدو أنه لن يحصل عليها وهو يقترب من الثمانين ومع ذلك يعتقد الكثيرون أن كونديرا حصل على هذه الجائزة ربما لأنهم يرون فيه أديبا يتجاوز بأعماله الكثيرين ممن حصلوا على التكريم في نوبل، ويبدو أيضا أن كونديرا غير مكترث كثيرا بالحصول على هذه الجائزة ويعتبرها كيتش آخر يجب التخلص منه، وربما في المقابل تخشى لجنة الجائزة من رفض كونديرا للجائزة كما فعل جان بول سارتر من قبل، عموما حصل كونديرا على حب قرائه واعترافهم بأثره في حياتهم الشخصية وهذه أكبر جائزة يمكن أن يحصل عليها أي أديب أو كاتب.