لمسة أمل
لمسة أمل
لمسة أمل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لمسة أمل


 
الرئيسيةالبوابة**أحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نهاية الثقافة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة





البلد : نهاية الثقافة  Jo10
نقاط : 200520
تاريخ التسجيل : 01/01/1970

نهاية الثقافة  Empty
مُساهمةموضوع: نهاية الثقافة    نهاية الثقافة  Icon_minitimeالخميس يوليو 08, 2010 8:39 pm




نهاية الثقافة


ياسر سعيد حارب
كنت جالساً مع ابني عمر ذي السنوات الثلاث، محاولاً التحدث معه في أي موضوع من شأنه أن يحفزه على الحديث باندفاع، كعادته، ولكنه كان منهمكاً في تعلم الحروف الأبجدية الإنجليزية على جهاز «الآي بود» عن طريق لعبة تعليمية تغري الطفل بالتفاعل والغناء معها، حيث يرتبط كل حرف بحيوان ما، في عرض غنائي جميل.
وعندما لم يتفاعل معي، هرعت إلى الإنترنت وبحثت عن برنامج شبيه لتعليم الحروف العربية فكانت خيبتي، وما زالت، كبيرة، فبرامج تعليم اللغة العربية قديمة جداً، وأسلوبها عقيم ينفر منها الكبار قبل الصغار.
كل يوم يمر على عمر وأترابه من الجيل الجديد، تُغتال فيه حقائق من تاريخهم العربي والإسلامي العريق، ليزداد البون اتساعاً بينهم وبين ثقافتهم التي تصارع حتى تجد طريقها إليهم، لأنهم يعيشون عصر السرعة الذي لن ينتظر العرب حتى يتنبهوا لحقيقة انحسار ثقافتهم إلى زوايا الكون المظلمة.
إن الثقافة تشكل للإنسان مأوى مثل المنزل تماما، الفرق بينهما أن المنزل هو مأوى للجسد، أما الثقافة فهي مأوى للروح والعقل، وغيابها يعني غياب مجتمع واعٍ ناضج، ليعيش أفراده كالقطيع الذي لا يعرف إلى أين يساق كل يوم، وما هي مهمته في الحياة. وإذا كان غياب المنزل يشكل مأساة إنسانية لدى الشعوب، فإن غياب الثقافة هو مأساة حضارية، وموت للأمة وانقطاع لسلالتها.
إن الأمان الاجتماعي الذي يوفره السكن للإنسان لا يقل أهمية عن الأمان الحضاري الذي تمثّله الثقافة لبني البشر. بل إن الثقافة تمثل للإنسان الجذور التي تزوده بالطاقة الوجودية الضرورية لاستمرار الحياة، وكلّما تاه الإنسان فكرياً، عاد إلى ذلك المأوى لتستقر عنده روحه، ويطمئن فؤاده.
عندما نلقي نظرة سريعة على الجيل العربي الجديد، نجده يهرول بعيداً جداً عن ثقافته العربية الممتدة عبر العصور، لاهثاً وراء كل ما هو مثير، بشرط، ألا يكون عربياً، فالعربية اليوم ؟ ثقافة ولغة ؟
توحي للجيل الجديد بالرجعية والإنغماس في التاريخ والتقاليد التي لا يستطيع أبناؤنا أن يستوعبوها ويتفاعلوا معها. وإذا كنا نعاني اليوم من ضعف معرفتنا بمخزوننا الثقافي العربي والإسلامي، فإن الجيل الجديد لن يشعر بهذه المعاناة لأن العلاقة بينه وبين تلك الثقافة ستكون قد بُتِرَت، وإذا كنا اليوم نعلم بأننا لا نعلم، فإن الجيل الجديد غداً، لن يعلم بأنه لا يعلم، وهنا تكمن المأساة الحضارية.
كنت في الطائرة متجهاً إلى بيروت، وأثناء دخول الركاب إلى الطائرة، توقفت إلى جانبي سيدة عربية لتلقي التحية على الراكب الذي كان يجلس إلى جانبي، بدأت تحيتها باللغة الفرنسية، ثم طعمتها ببعض الكلمات العربية، وعندما عرّفها الراكب على ابنته، حاولت أن تتواصل معها بالفرنسية إلا أن البنت أجابتها بالإنجليزية، ليتحول الحوار بين الثلاثة إلى لغة جديدة، اشتقت من الفرنسية والإنجليزية والعربية، في مشهد تراجيدي مُقيت، هُتِكَ فيه عِرض اللغة العربية في أبشع صورة.
فكرت في تلك البنت، وفي ابني عمر، وفي أبنائنا وبناتنا جميعاً عندما يصلون إلى سن الجامعة، وتساءلت إذا ما كانوا سيعرفون في المستقبل أنهم ينحدرون من أصول عربية أم لا؟ وإن عرفوا ذلك، فأي ثقافة سيحملون؟ وأي مخزون حضاري سيمكنهم اللجوء إليه وقت الأزمات.. أعني، أزمات الفكر والثقافة والمعتقد، وهي كلّها قادمة ولا شك.
اتصل بي أحد الأصدقاء وقال لي إنه يفكّر في إنتاج أغنية تشجيعية لأحد الأندية الرياضية قبل المباراة النهائية، فقلت له بأن الوقت قد لا يسعفه، فضحك وقال لي ان الشاعر موجود، ويمكنه أن «يعدّ» الكلمات خلال ساعة، والملحن موجود في استوديو التسجيل ويمكنه أن يلحّن الأغنية خلال عدة ساعات، والمغني موجود أيضاً ويمكنه أن يسجل الأغنية قبل الفجر، وبذلك تكون الأغنية جاهزة للتوزيع مع بزوغ الشمس.
بعد أن انتهت المكالمة، أصبت باكتئاب نفسي، وبخيبة حضارية، وعرفت حينها لماذا دخلت فيروز، والرحابنة، وأم كلثوم، والسمباطي وأحمد رامي وغيرهم، إلى ذاكرة التاريخ العربي، ولماذا اتسعت أعمالهم لتشمل جميع الدول العربية، ولم يستطع «فنانو» اليوم تجاوز حدود المدينة التي يغنون فيها على الرغم من تطور وسائل الاتصال... فقديماً كانت الأغنية عملاً فنياً مضنياً، يشبه الإعداد له، ما كان يقوم به ميكال أنجلو عندما يريد أن ينحت تمثالاً.
حيث كان يقضي أسابيع طويلة بين الجبال لينتقي قطعة الرخام المناسبة لعمله، وكان يشرف على جميع مراحل العمل، منذ البدء بفصل تلك القطعة عن الجبل، وحتى تركيبها في باحة إحدى القصور الإيطالية، كإحدى أجمل الأعمال الفنية في التاريخ.
لقد فشلنا، كعرب، في السياسة، ونجاحنا الاقتصادي لم يتجاوز حدود القطر الواحد، وكل ما راهنا عليه منذ قيام الثورات العربية قد خسرناه، إلا الثقافة، فهي الشيء الوحيد الذي يكسبنا احترام العالم. وعندما تسقط كل الرايات، تبقى راية الثقافة شامخة لأنها الراية الوحيدة التي تحتاج إلى سارية، فهي راية وجودية، تكوّنت في اللحظة التي نُفِخَت فيها الروح في جسد آدم.
إذا لم يعرف أبناؤنا ما هو الجامع الأموي بدمشق، ولم يستوعبوا أعمال توفيق الحكيم، ولم يحفظوا بيتا للمتنبي، ولم يعرفوا من هو ابن رشد، فعلينا أن نعلن حالة الطوارئ في بلداننا العربية، لأن نهاية الثقافة هي في الحقيقة نهاية التاريخ.

* نقلا عن "البيان" الإماراتية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نهاية الثقافة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أثر الثقافة في مزاج الإنسان
» نهاية ساحر
» نهاية العظماء
» نهاية ساحر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
لمسة أمل  :: المنتدايات العامة :: المنتدى العام-
انتقل الى: