البلد : نقاط : 200520 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: عاشوراء بين الفراعنة والمجوس الأحد مارس 28, 2010 2:19 pm | |
|
ظل فرعونُ يمارسُ دور الطاغيةِ المستبد، الجامعِ بين الملك الفاحش والاستعباد. القسري لرعيته، وهو أسوأ أنواع الظلم. الذي يمارسهُ الجبابرةُ عبر التاريخ الإنساني العريق!!
أمَّا الملكُ الفاحش فتأملهُ في عبارته الاستفزازية: ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)).
وأمَّا الاستعباد القسري فدونك في قوله: ((يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) (القصص: من الآية38).
وأسـتأذنُ القارئ الكريم في استعراض فقرات العبارةِ الأولى، أما الثانية: فهي عبارةٌ حمقاءٌ خرقاء، يسخر منها صبيانُ أهل التوحيد، ويعرفون أنها ضرب من الجنون. تمجُّه الأذان، وتستبشعه الأسماع!! فدعونا نتأمل.
((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)). إنها عبارةٌ مستعليةً فجّة منتفشة عجباً وغروراً، فكلُّ لفظة من ألفاظها في تركيبها اللغوي، وموضعها من السياق، دالّةٌ على حجمِ الكِبْر والغطرسة التي يتباهى بها هذا اللعين!!
((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)) (الزخرف: من الآية51) استفهامٌ استنكاري بلهجةٍ حادّة، وصرامة لا تقبلُ التفكير أو الترددَ في الإجابة، ولكنَّها تقتضي سرعةَ الردِّ والتسليم التام، بأنّ الأمرَ كما يُحبّ الملك أو (الإله) كما كان يحلم!!
ثم تأمل قوله: ((لِي)) تجدُها لفظةً صغيرة من حرفين فقط، ولكنَّهما حرفان، وأي حرفان؟!!
إنهما يعنيان الاستئثار التام، والحيازةَ الكاملة لكلِّ شيء، بحيثُ لا يبقى لأحدٍ حظٌ أو نصيبٌ، مهما كان ضئيلاً أو تافهاً!!
لأنّ التافهين من أمثالِ فرعون تستهويهم التوافهُ، فهم يعيشون لها، ويقتاتون عليها، ويصنعون منها مجداً مُزيفاً!!
((مُلْكُ مِصْرَ)) نعم ((مُلْكُ مِصْرَ)) فمصرٌ كلها تحت تصرفه، خاضعةً لنفوذه، فهو ملكها ومالكها، شبراً شبراً، وكفرَاً وكفراً، ونهراً ونهراً!!
فأرضِها وسماءها وخضرائها وغبرائها، وحاضرتها وباديتها، ومدرها ووبرها، حقٌّ خالصٌّ له وحده دون سواه!!
((وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)) (الزخرف: من الآية51) فالنيلُ بجماله الخلّاب، وجريانه المَهيب ذليلٌ تحت أقدامِ الطاغية، أسيرٌ في مملكته الفرعونية!!
ثم هي عبارةٌ فيها استذلال من وجهٍ آخر لشعبه المقهور، وتهديدٌ مبطّن لجمهورٍ مستعبد، فكأنهُ يقول: (يا أيها المستغفلون، ها قد ذلت الطبيعةُ لعظمتي، ودانت الأنهارُ لعزتي، وأنتم أولى بالخضوع والتسليم..و إلا..؟!!
((أَفَلا تُبْصِرُونَ)) (الزخرف: من الآية51) وهي لهجةُ الاستفزازِ المعتادة لكلّ طغاةِ الأرض لا يخلو منها خطابٌ من خطاباتهم مهما كان مقتضباّ أو حتى كانت المناسبة لا تستدعيه!!
إنّ فرعون يعلمُ جيداً أنهم يُبصرون بل ويسمعون، ولكنهم لا يتكلمون، نعم لا يتكلمون، فقد أُخرست ألسنتهم، وعُطلت عن البوحِ بالحقيقة، و مُجابهة الطاغية بما يكره، فهي حاسةٌ مُعطلةٌ فعلاً إلاَّ من التسبيح بحمد فرعون!!
وهُنا يُطلّ البطلُ موسى بن عمران عليه السلام ويظهرُ على مسرحِ الأحداث في الوقت المناسب، فهو الوحيدُ الذي استخدم لسانه الشريف في مرضاة ربه، وتجرأَ دون غيره على الصدعِ بكلمة الحقِّ بعد عقودٍ طويلة من الصمت الرهيبِ، لشعوبٍ استمرأت الذّل والمهانة في أرضِ الفراعنة!!
فصولُ القصةِ متعددةٌ ومثيرة، وبحر الأحداث ظلّ بين مدٍّ وجزر، حسبنا منها بيتُ القصيد، يوم واجهَ موسى فرعون بما لا يخطرُ له على بال، فأنكرَ ربوبيتهِ المزعومة، وإلهيته المفتراة، ورمى بهذه الحقيقة بين عيني الطاغوت، وملأ بها أذنيه غير هيابٍ ولا وجل!!
بل كانت حواراته كلَّها، ومناظراته كلها مع فرعون، قمةٌ في الشجاعة، ورأساً في الإقدام المذهل!!
خذ على سبيل المثال هذا الموقف، وتأمل صراحةَ العبارة وشجاعتها، ودلالتها وفحواها،: (( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)) (الإسراء: 102).
أي أنك يا فرعون تعلم أن الذي خلق هذه المخلوقات هو الله بصائر للناس يستدلون بها على وجود البارئ المدبر وأنك أضعف وأحقر من أن تَخلق ذرة أو تفلق حبة، ففالق الحب والنوى هو الله، وفاطر السموات والأرض هو الله، وجاعل الظلمات والنور هو الله، وقاصم القياصرة هو الله، وكاسر الأكاسرة هو الله.
وقد بقي الدورُ عليك يا فرعون ولذا فـ (( َإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)) ولما أعيت الحيلةُ فرعون، وأُلقم حجراً بل صخراً، وحار جواباً، وطاش صواباً، لجأ إلى استخدام القوةِ التي هي دوماً لغةُ الحوار المفضلة بل الوحيدة لدى الطُغاة المتلعثمين ((لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ)) (الشعراء: 29).
ولما وصلت القضيةُ إلى طريقٍ مسدود، وتشبث فرعون بقناعاته السمجة، ودكتاتوريته الرعناء، كان لا بُدَّ من وضع نهاية لذلكم الصلف والغرور ومن ثم كان الفصلُ الأخير، وفيه تحدثُ المفاصلةُ بالأجساد بعد أن تفاصلتِ الأرواح والعقائد.
فأذّن موسى بالرحيل امتثالاً للقائل سبحانه: ((أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى)) (طـه: من الآية77). فخرج موسى خاشعاً طائعاً برفقة أتباعه وأنصارهِ وحوارييه، وفي المقابلِ خرجت جيوشُ الفراعنةِ أشراً وبطراً ورئاءَ الناس. وشتان بين الخروجين، وشتان بين القائدين، وشتان بين العاقبتين.
أمَّا الأولون فقد خرجوا طائشين بصحبةِ نبيٍّ كليم، ورسولٍ كريم.
وأمَّا الآخرون فقد خرجوا طائعين بصحبةِ جبّار لئيم، وطاغوتٍ سقيم!
وفجأةً يجد الفارون بدينهم أنفسهم أمام بحرٍ خضم، مائج هائج، في حين يبصرون من ورائهم جيوشاً جرارة، وجحافلَ جبارة،: ((قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)) (الشعراء: من الآية61).
لكن النبيَّ المعصوم، الواثقُ بربه، يصرخُ بها بقوة، ((كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)).
إنَّها المعيةُ الخاصةُ التي لا تكونُ إلا للأولياء المخلصين، والأتقياء المجاهدين،. إنَّها المعيةُ التي يوم نبذناها خلف ظهورنا، واستبدلناها بأحلافٍ ومعاهدات مع الكفار، وكلنا اللهُ إليهم، فأصبحت الحالُ كما ترى. ((كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)).
وهُنا تحدثُ المعجزةُ.. فيُؤمر البحرُ الهائج، واليم المائج، فإذا أمواجهُ جبالٌ صماء وحجارة بكماء، وإذا من خلالها دروبٌ وممرات يابسة، كأنَّها لم تذق طعم الماءِ يوماً من الدهر!!
فيعبر موسى وقومه بكلِّ أمنٍ وسكينة.. حتى إذا ما خرج من قوم موسى آخرهم، وولج من جنودِ فرعون آخرهم، عاد البحرُ هائجاً واليم مائجاً، ووقع الفراعنةُ كلهم في الفخِّ المحكم، الذي صنعهُ الملكُ القهار، العزيزُ الجبار: ((فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)) (الزخرف: 55).
وإذا بالمتأله القزم، والطاغية الجبان، يتقاذفهُ الموج يمنةً ويسرة، وهو يصرخ في الوقت الضائع، وبعد فوات الأوان: ((آمَنَتُ أنَهُ لا إله إلا
الذي آمنت به بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) (يونس: من الآية90) لكن هيهات فهو إيمان المضطر الذي لا ينفع صاحبه لأنه كان متأخراً، نعم متأخراً جداً!!
ويا لله كم في قصةِ فرعون مع كليم الله موسى من العبر والعظات، التي لو تأملها الجبابرة لخمدت نيران الكبرياءِ في صدورهم، وانطفأت جذوةُ الغرورِ من قلوبهم!!
لو تأمل الجبابرةُ قصةَ فرعون ونهايته المهيبة، لعلموا أن للغطرسةِ نهاية وأي نهاية؟! ذلك أن نهايتهم قاصمةً ومحزنةً ومخيفة، لأنَّها من صنعِ جبارٍ قهار، إذا أخذ ظالماً لم يفلته، وهي نهايةٌ حتمية، لا يمكن أن تتخلف ولا يمكن أن يُعفى من مغبتها طاغوت مهما امتد أجله، وطالت أيامه!!.
ولو كان المُلك العريض، والجيشُ المديد، والثراء الفاحش، يمكنُ لها أن تحمي الأباطرةَ والقياصرة من ساعة الانتقامِ الرهيبة والنقمة الربانية العاتية، لكان فرعونُ أولى الناس بالسلامة والعافية، فقد كان نسيج وحده في الطغيان والجبروت، فآل أمره إلى ما سمعت!!
لقد ذهب فرعون وذهب ملكه وجنده وخدمه وحشمه، وصلفه وغروره، وبقية ذكراه مسطورةً في القرآن العزيز، تهتفُ بقوةٍ في آذان فراعنةِ الأرض كلهم، أن كفى غطرسةً وغروراً، وتسلطاً على رعاياكم الضعفاء المساكين، فإنَّما وليتم عليهم لترحموهم وتواسوهم، وتحرسوهم لا لتذلوهم وتقهروهم، رحل فرعون غير مأسوف كأمس الدابر، وبقيت ذكراهُ تهتف بقوةٍ، وتهز بعنف أكتاف كل القياصرةِ على وجه الأرض، أنَّ سُنةَ الله لا تتبدل ولا تتغير!!
وأن من سلك مشرب فرعون، فسيشرب من الكأس الذي شرب منه فرعون، ويا لها من شربةٍ ويا له من كأس!!
ومن سلك مشرب موسى عليه السلام فأنعم به مشرباً ولو طال القهر والعنت، لأن العبرة في الخواتيم.
والمسلمون العالمون بالسَنَن والسُنَن لا يعبئون بطول المشوار، وعقبات الطريق، ولا يكتثرون بطول الزمنِ وقلة الرفيق، لأنهم مطمئنون إلى حتمية النصر وعدالةِ القضية، كما أنَّهم واثقون من دحرِ كلِّ عدوٍ مهما انتفش ريشه، وانتفخت أوداجه، وفي تاريخهم الحديث نماذجَ لفراعنة ومتفرعنة، قُصمت ظهورهم، وبادت ممالكهم ((فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ)) (الحج: 45).
سلوا التاريخ عن هتلرَ وجنونه؟!
وعن ستالين وغروره؟ !!
وسلوه عن ريجن وريجان، وبرجنيف وميتران؟!
((هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً)) (مريم: 98).
حدّث ابن عباس رضي الله عنه فقال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن صيامه فقالوا: هذا يوم نصر الله فيه موسى وقومه وهزم فرعون وقومه، فنحنُ نصومه شكراً لله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منكم) فصامه وأمره بصيامه)).
إذاً فعاشوراء يومٌ مفرحٌ حقاً، ومناسبةٌ كريمة، وذكرى عاطرةً جديرةً بأن تُصام شكراً لله الذي نصر موسى وجندهُ، كما أنَّ في عاشوراء دفعةً معنويةً لأولئك المرابطين على ثغور الإسلام في أرض الرافدين، وثالث المسجدين، وبلاد أفغان والشيشان وغيرها، تشدُّ من أزرهم، وتربط على قلوبهم، فتنشرح صدورهم، ويكونون على يقينٍ بأنَّهم متى قاتلوا امتثالاً لأمرِ ربهم، وجهاداً في سبيل الله، ونصرةً لدينهم وعقيدتهم، فلن تلينَ لهم قناة، ولن تخيب لهم غاية، ولن تنتكس لهم راية!! ذلك أنَّ الله يدافعُ عنهم: ((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)) (الحج: من الآية38))، ويرمي عنهم: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) (الأنفال: من الآية17) ويقاتل عنهم: ((قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) (التوبة: من الآية30).
إن أمريكا تشنُ اليوم حرباً سافرة على أمتنا وتحاربنا بحصارها الاقتصادي، ودكتاتوريتها المتسلطة، فنهضَ إليها رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، نهض إليها أسود الفلوجة، فمرغوا كبريائها في التراب، وأذاقوها من العذاب كؤوساً، ولقنوها من الجحيم دروساً وهم من هم في عدتهم وعددهم؟! وهي من هي في جبروتها وسلاحها وبأسها؟!
وهذا يدل على أن وعد الله لا يتخلف، وأن نصره الذي نصر به موسى يوم عاشوراء، ونصر به محمداً يوم بدر.
هو النصر الذي لن يبخل به تعالى على أبطال أفغانستان والعراق وفلسطين والشيشان، وها قد لاحت بشائرٌ، وظهرت أماراته.
فانطلقي يا كتائب الإيمان، ويا سلالةَ المجد في أرض أفغانستان والعراق، وأسرعي يا فوارس الإسلام، ويا بدور الزمان في الشيشان، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم.
فاللهُ ناصركم، والله ضامنكم، والله مولاكم.
فنعم المولى ونعم النصير
منقول
| |
|