البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: ما هي الإيجابية ؟ الثلاثاء يوليو 29, 2008 9:52 pm | |
|
ما هي الإيجابيــة.. ؟
إبراهيم كشت - يفيد لفظ (الإيجاب) في أصل اللغة معنى التأكيد والثبوت، وهو يقابل لفظ (السلب) الذي يعني النفي وعدم الثبوت، أما تعبير (الإيجابي) فقد أصبح مستخدماً على نطاق واسع ليحمل عدة معانٍ، لا تخلو من صلة تربط فيما بينها، فقد نَصِفُ عملاً أو نتيجة أو اجراءً أو موقفاً بأنه ايجابي، ونقصد بذلك أنه حسن، أو نافع، أو خيّرٌ، أو محقق للهدف، أو مُحدِثٌ للأثر الجيد، أو متسم بالسبق والمبادرة، أو ما إلى ذلك، أما حين ننعت عملاً أو نتيجة أو فعلاً بأنه سلبي فيغلب أن نشير إلى أن فيه شرّاً، أو أنه يخالف الهدف المأمول أو المتوقع، أو أن فيه نوعاً من التخاذل أو العجز . كما يمكن أن يستخدم لفظ (الايجابي) للتمييز بين ضدين، بحيث يوصف أحدهما بالايجابية إذا كان أقرب للخير أو الفضيلة أو النفع أو تحقيق الأهداف والتطلعات، كأن يقال إن التقدم ايجابي والتخلف سلبي، أو الحب ايجابي والكره بأنه سلبي، وهكذا بالنسبة لمئات الأضداد التي تزخر بها الحياة في مجال المعاني والقيم . أما سِمَةُ (الايجابية) ذاتها كمفهوم وقيمة، فإن تعريفها يبدو عسيراً لتعدد وتداخل جوانبها، لكني أجتهد بالقول أن الايجابية بهذه الصفة تشير إلى : سلوك يتمثل في الفعل بدلاً من الإحجام، والسعي للإنجاز بدل العجز والتقاعس، والمبادرة بدل الانتظار، والانطلاق من الذات بدل التلقّي ورد الفعل، ومحاولة التغيير بدل الاستسلام والتذمر، وتحمل المسؤولية بدل إلقاء اللوم على الآخر أو على الظروف، والتركيز على الحلول بدل الدوران حول المشاكل . ولا يكون ذلك كله إلا انطلاقاً من تفكير أساسه اقتناع الشخص بقدرته على تحقيق الهدف، وعواطف أساسها التفاؤل بالوصول لذلك الهدف . إذن، فإن منطلق الايجابية كسلوك وفعل وممارسة هو التفكير الايجابي والعواطف الايجابية، وأعتقد أن الاهتمام بدراسة هذين الجانبين قد تزايد في السنوات الأخيرة في ضوء ظهور اتجاه جديد في علم النفس قبل نحو عشر سنين على يد أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا الدكتور مارتن سليجمان، الذي انتقد علم النفس باهتماماته وتوجهاته الحالية لكونها تركز على مواطن الضعف في نفس الإنسان، وعلى الأمراض النفسية، والاختلالات ومشكلات الشخصية، ودعى إلى توجيه الانتباه والاهتمام والدراسة إلى مواطن القوة في الشخصية، والعمل على تعظيمها وتحسينها وتعزيزها، وبالتالي التركيز على فكرة الفرد القادر على الإنجاز وتحقيق الذات والمجتمع القادر على الارتقاء والتقدم، وقد دعى هذا العالم النفساني من خلال ذلك إلى فكرة التمكين وبناء القوة، والتركيز على أفضل ما لدى الإنسان، وأكد على أن الوقاية من المشكلات النفسية يكون أجدى من خلال فهم وتحسين وتعزيز جوانب القوة الموجودة في نفس الإنسان، والتي تشكل نوعاً من المناعة النفسية والحصانة ضد الاعتلال النفسي، كما أكد على إمكانيات العلاج من خلال التركيز على عناصر القوة لدى المرضى وتعظيمها، ومن تلك العناصر مثلاً التفاؤل والواقعية والإنفتاح على المستقبل ومهارات إقامة العلاقات ووضوح الأهداف وتبني معنى ايجابي للحياة، وما إلى ذلك . وعودة إلى التفكير الايجابي والعواطف الإيجابية، وهما بطبيعة الحال من الموضوعات التي بحثها علم النفس الايجابي، وفيما يتعلق تحديداً بالتفكير الايجابي فإن أهميته وتأثيره ينطلقان من حقيقة ثابتة وهي أن للأفكار دوراً مهماً في تحديد الحالة المزاجية والانفعالية والمعنوية للشخص، فإذا كانت الفكرة إيجابية كان ذلك أدعى إلى حد كبير لأن يكون الوضع النفسي للفرد أفضل ويكون سلوكه أنجح وأفعل . وهناك عدد من العناصر التي يقوم عليها التفكير الايجابي، أولها أن تظل نظرة الشخص لذاته إيجابية حتى لو كانت الظروف المحيطة به سلبية . والعنصر الثاني هو إدراك الشخص ومعرفته بإمكاناته واعتقاده باستمرار بأنه قادر على تحقيق الهدف، حيث أن هذا الاعتقاد يعتبر من أهم أسباب النجاح في الوصول إلى الأهداف، والعنصر الثالث يتمثل في تفتح الذهن ومرونة التفكير والخروج من نطاق القيود التي تحدُّ منه، والاعتقاد بتعدد البدائل المتاحة لحلِّ المشاكل، ووجود حلول غير تلك الحلول التقليدية الجاهزة والسهلة، والإيمان دائماً بإمكانية التغيير . ومن العناصر المهمة في التفكير الايجابي كذلك التفسير المتفائل للأحداث والوقائع، على أن التفاؤل ضمن مفهوم التفكير الايجابي لا يعني الأمل السلبي القائم على مجرد انتظار الفرج، أو الاعتقاد بأن الأمور ستكون أفضل من تلقاء ذاتها، وإنما يعني اقتناع الشخص بقدرته على إيجاد البدائل وإعادة السعي والمثابرة وإحداث التغيير في النتائج والوصول إلى الأهداف، فالتفكير الايجابي لا يغفل الواقع وما فيه من سلبيات، لكنه يحاول تعظيم الايجابيات في أي حالة أو واقعة أو حدث . أما عن العواطف الايجابية كالحب والفرح والسعادة والتسامح والحماس للعمل والأمل والولاء والإقدام والرغبة في الإنجاز والاندفاع نحو التغيير للأفضل وسواها، فإنها تساهم بشكل كبير في إضفاء معنى على الحياة، وتحقيق الذات، والنماء، والإثراء المعنوي . ومن الحقائق المهمة التي يذكرها علماء النفس في هذا المجال أن الحدَّ من العواطف السلبية لا يؤدي بالضرورة إلى نشوء العواطف الايجابية أو تنشيطها، لأن لكلٍ من هذين النوعين من العواطف نظام مستقل خاص به في النفس الإنسانية، فالعواطف الايجابية من مكونات نظام المواجهة والمبادرة، بينما العواطف السلبية من مكونات نظام الهروب والتجنّب والانسحاب، وهذا يعزز القول بأن مجرد معالجة العواطف السلبية لا يكفي، فلا بد دائماً من تقوية العواطف الايجابية، علماً بأن هذه العواطف تتأكد وتتعزز وتقوى من خلال الممارسة أكثر مما تتعزز من خلال مجرد التفكير، كما أن السعي نحو هدف محدد يطلق العواطف الايجابية ويقويها .
منقول
| |
|