موضوع: الغجر .. نسمة الحرية المارقة وجالبو الفرح الثلاثاء يوليو 29, 2008 2:03 pm
الغجر .. نسمة الحرية المارقة وجالبو الفرح
أمل نصير - لم يتبق منهم إلا بضع خيام ملونات مترامية على الطرقات في اربد وعمان، وبعض قصائد مجَّد فيها الشاعر عرار الحرية التي تصبغ حياتهم ، وعدد من الاغاني التي تجمع بلاد الشام على ايقاعات متقاربة، انهم الغجر أو كما ندعوهم بالتعبير الشعبي النور ، هؤلاء الذين يمثلون في مخيلتنا أكثر مما نعرف عنهم واقعاً ، لكنهم في النهاية صورة لحياة اختارها أصحابها، بعيدة عن صخب المدينة ومتطلباتها ، أنه نوع من الحرية المارقة الجميلة .
أصول الغجر
ظهر الغجر في اوروبا منذ القرن الخامس عشر، وامتلكوا صفات شعب ، لهم لغة مشتركة و ثقافة وتقاليد متشابهة، وقد اختاروا حياة التنقل والترحال، ولعل أكثر صفحات تاريخهم دموية حين تعرضوا للابادة من قبل الحكم النازي. إلا أن الآراء تختلف بشأن تاريخهم، إذ يرجعهم البعض إلى الهند وإيران ومناطق وسط وجنوب آسيا، التي هجروها في حوالي القرن الرابع الميلادي، وأوضح بعض المؤرخين أنهم في أواسط القرن الخامس عشر (1440م تقريبا) وصلوا إلى مناطق المجر وصربيا وباقي بلاد البلقان الأخرى، ثم بعد ذلك انتشروا في بولندا وروسيا، واستمر انتشارهم إلى أن بلغوا السويد وإنجلترا في القرن السادس عشر الميلادي، كما استوطنوا في إسبانيا بأعداد كبيرة في ذلك الوقت. الرأي زارت خرابيشهم في بحث عما تبقى لتلك الفئة من أسلوب حياة وواقع معيشي: أحمد ويسوا (كبير الغجر و رئيسهم) يشير إلى تجمعهم قائلاً: كل القبائل التي ترينها أمامك في الأربعين خيمة تخضع لي و ترجع لي في كل صغيرة و كبيرة و خاصة ما يتعلق بالمشاكل و الخلافات التي تحصل بينهم، نحن لا نحتاج للقضاء أو للمحاكم لحل مشاكلنا، و أقوم بحلها دائما و لا يعترض أحد على حكمي أو طوعي، فهم يعتبرونني صاحب القرار الأول و الأخير . كبير الغجر له حكايته عن اصول قبيلته الصغيرة، يقول: نعود إلى أصول عربية، فنحن من نسل الأمير جساس بن مرة الذي قضى على قومه الزير سالم في حرب البسوس حيث حرم عليهم إشعال النار ولدى عودة الزير سالم بعد مضي 20 عاما أضرم قومهم النار فأضاءت السماء بنورها ومن حينها أصبح يطلق عليهم مسمى النّور ... بينما يرجع أحمد حمو و هو (سكان أحد الخيم) أصولهم من قبائل غجرية من الشام، و يتنقلون من بلد لآخر بإعتبارهم مواطنين سوريين و يحملون جوازات سفر سورية كوثيقة رسمية و ينطبق عليهم قوانين المواطنين السوريين. ويشرح حمودة العيسوي واقع الجماعة : اليوم القبيلة موزعة إلى أربعة قبائل مختلفة استقرت في منطقة إربد منذ سنة تقريبا و أكثرهم عددا هم قبيلة العيساويين إضافة إلى الملاحمة و النواصرة و الحلاولية . و يعدد العيسيوي التسميات التي تطلق عليهم ، ففي الأردن (النور)،و في الشام (القرباط)، و في أوروبا (الجيتان)، و(الزط) في العراق، و(الجعيدية) في مصر، و(هتيم) في السعودية،و في أفغانستان (الكاولية) و في تركيا (القرج) و(الغجر) في الدول الأخرى، مؤكداً أن الأصح هو (القرباط)، فهم لا ينكرون أصلهم النوري و يفتخرون به.
أسماء الغجر
لكل عجري ثلاثة أسماء: أسم سري و هو الذي تهمسه الأم في أذن وليدها بعد ولادته مباشرة(ليطرد عنه الأرواح الشريرة)حسب اعتقادهم، و الاسم الثاني هو الذي يعرف به بين أفراد قبيلته و جماعته، و الثالث هو الذي يدعى به أمام الغرباء من غير الغجر و يسجل أيضا في سجلات الدولة، وكما أن أسماءهم تحمل هذا التنوع فإن لغتهم ايضاً خاصة للغاية ، يسمونها (العصفورية) و هي لغة لا تدرس و إنما هي عبارة عن لهجة عامية، خليط بين الكردية و الفارسية و العربية، و تكتب حروفها بالعربية.
ملامح من حياتهم
يعمل الغجر في مهن مختلفة كصناعة الحلي و تجارة البضائع نظراً لحياتهم المتنقلة، كما يتعاطون تجارة بيع الأحصنة والبغال والحيوانات الأخرى، وأنواع التجارة الصغيرة المتنقلة، والصناعات اليدوية كما أنهم يشتهرون بتقديم الموسيقى في المتنزهات وفي ألعاب السيرك .. و يفضلون عمل المرأة على الرجل ، وكلاهما لا يلقى تعليماً ربما لصعوبة الأمر في ظل عدم الاستقرار الذي يعيشونه، إذ تقيم جميع العائلات داخل خيمة مزركشة تسمى(الخربوش) وتقتصر محتوياته على الحصائر واللحف والفراش المخصص للنوم وعدد متواضع من معدات تحضير الشاي والقهوة العربية .. ويرفض الغجر زواج بناتهم من غير الغجر ،ولا يمانعون بالنسبة للرجل ، إلا أنهم يفضلون زواج الاقارب .. كما يتزوج الغجري في سن مبكرة جدا في زفاف مميز، و الغجري حينما يطلب البنت التي يختارها للزواج ، إذا ما ارتدت البنت لفافة عنقه فهذا يعني أنها قبلت الزواج به ، وقد يقفز الزوجان فوق المكنسة، أو يتصافحان ثم تكسر قطعة من الخبز وتسكب عليها قطرات من الدم من إبهاميهما، ثم يأكل كل واحد منهما القطعة التي فيها دم الآخر، ثم يكسر ما تبقى من قطعة الرغيف على رؤوسهما، وبعدها يغادران مكان الاحتفال، ولا يحضران إلا في اليوم التالي للمشاركة في الغناء والرقص وبذلك يتم الزواج . الفن عنوان للحياة يتقن الغجر فن الغناء والموسيقى وقد اشتهروا بذلك كصفة تميز حياتهم، بل كانوا طرفا فاعلا في أمسيات الفرح في بلادنا حتى وقت قريب، و النساء يتقن الرقص الذي يعتمد على حركات الرأس تاركة شعرها الطويل يسبح في الهواء بخفة و سرعة مع هز الرقبة و الخصر، و ترتدي الملابس العريضة المزركشة ذات الألوان البراقة و تتزين بالحلي الذهبية (الفالسو) ذات اللمعان الشديد.
نهاية الرحلة
يبدو الموت نهاية رحلة الغجري، إذ تحرق عربته التي يتنقل بها ،وفي الأوقات العصيبة يقومون ببناء خيمة وتدميرها عوضا عن إحراق العربة، وقبل دفن الغجري المتوفى لا يتناول الغجر الطعام ولا الشراب .. ويقوم ثلاثة من الغجر بحراسة المتوفى من الأرواح الشريرة، وقد استمرت هذه العادات حتى عام 1915م، وعادة ما يكون الكفن واسعاً لاحتواء ممتلكات المتوفى إلى جانبه، ويقومون بإلباسه احسن الأزياء لديه، أما المرأة فتدفن معها جميع ممتلكاتها الثمينة، إلا في حالة أن يكون لديها بنات من دم غجري خالص، عندها يرثن تلك الممتلكات .. انه عالم ساحر فتن به الشعراء والفنانون ، ورغم مشقته ومغايرته عن العصر فإن اصحابه يأبون التنازل عنه، حتى بات فلسفة حياة لهؤلاء القوم البسطاء الذين احبوا الدنيا ومنحوها الكثير من الفرح رغم وجعهم!!.
الثلاثاء يوليو 29, 2008 2:03 pm