البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: القول الجميل .. لإبن المقفع الجمعة فبراير 26, 2010 9:17 am | |
|
القول الجميل .. لابن المقفع
باب الناسك والضيف من ( كليلة ودمنة ) قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: قد سمعت هذا المثل. فاضرب لي مثل الذي يدع صنعه الذي يليق به ويشاكله، ويطلب غيره فلا يدركه: فيبقى حيران مترددا. قال الفيلسوف: زعموا أنه كان بأرض الكرخ ناسك عابد مجتهد. فنزل به ضيف ذات يوم، فدعا الناسك لضيفه بتمر: ليطرفه به. فأكلا منه جميعا. ثم قال الضيف: ما أحلى هذا التمر وأطيبه! فليس هو في بلادي التي أسكنها، وليته كان فيها! ثم قال: أرى أن تساعدني على أن آخذ منه ما أغرسه في أرضنا: فإني لست عارفا بثمار أرضكم، هذه ولا بمواضعها. فقال له الناسك: ليس لك في ذلك راحة: فإن ذلك يثقل عليك. ولعل ذلك لا يوافق أرضكم، مع أن بلادكم كثيرة الأثمار فما حاجتها مع كثرة ثمارها إلى التمر مع وخامته وقلة موافقته للجسد؟ ثم قال له الناسك: إنه لا يعد حكيما من طلب ما لا يجد. وإنك سعيد الجد إذا قنعت بالذي تجد، وزهدت فيها لا تجد. وكان هذا الناسك يتكلم بالعبرانية. فاستحسن الضيف كلامه وأعجبه، فتكلف أن يتعلمه؛ وعالج في ذلك نفسه أياما. فقال الناسك لضيفه: ما أخلقك أن تقع مما تركت من كلامك، وتكلفت من كلام العبرانية، في مثل ما وقع فيه الغراب! قال الضيف: وكيف كان ذلك؟ قال الناسك: زعموا أن غرابا رأى حجلة تدرج وتمشي، فأعجبته مشيتها، وطمع أن يتعلمها. فراض على ذلك نفسه، فلم يقدر على إحكامها، وأيس منها، وأراد أن يعود إلى مشيته التي كان عليها: فإذا هو قد اختلط وتخلع في مشيته، وصار أقبح الطير مشيا. وإنما ضربت لك هذا المثل لما رأيت من أنك تركت لسانك الذي طبعت عليه، وأقبلت على لسان العبرانية، وهو لا يشاكلك، وأخاف ألا تدركه، وتنسى لسانك، وترجع إلى أهلك وأنت شرهم لسانا: فإنه قد قيل: إنه يعد جاهلا من تكلف من الأمور ما لا يشاكله، وليس من عمله ولم يؤدبه عليه آباؤه وأجداده من قبل. *** هو عبد الله بن المقفّع، وكان اسمه روزبه قبل أن يسلم. ولد في حور في فارس، لقِّب أبوه بالمقفّع لتشنّج أصابع يديه على اثر تنكيل الحجاج به .درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد. سُئل ابن المقفّع «من أدّبك»؟ فقال: «نفسي. إذا رأيت من غيري حسنا آتيه، وإن رأيت قبيحا أبَيْته». ومن القصص التي تدلّ على صدقه ووفائه، انه لما قُتل مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، اختفى عبد الحميد الكاتب، فعُثِرَ عليه عند ابن المقفّع، وكان صديقه. وعندما سئِل الرجلان: أيُّكما عبد الحميد؟ قال كل واحد منهما «أنا» خوفا على صاحبه.
| |
|