عكا تنام خلف السور على أنغام أغنية البحر ونداءات الصيادين وحداءات الأمهات
كاتب الموضوع
رسالة
البلد : نقاط : 200500 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
موضوع: عكا تنام خلف السور على أنغام أغنية البحر ونداءات الصيادين وحداءات الأمهات الإثنين يوليو 28, 2008 3:14 pm
عكا تنام خلف السور على أنغام أغنية البحر ونداءات الصيادين وحداءات الأمهات
صور جوية لمدينة عكا وسورها وجوامعها واسواقها وقلعتها وبيوتها بقرميدها الأحمر - (ارشيفية)
محمد جميل خضر عكا- رغم الليل، ظلت القبة والمئذنة الخضراء لجامع أحمد باشا الجزار ماثلتين للعيان. علق رفيق الرحلة المخرج الهولندي المتنقل بين عمان ودمشق هافال أمين قائلا "لم أر أمة تمجد جزاريها كما نفعل نحن" مستذكرا هنا أصوله الكردية الإسلامية والبيئة العربية التي عاش فيها حتى مطلع شبابه وسفره إلى فرنسا وهولندا، وإقامته في الأخيرة وحصوله على جنسيتها. لم يتوقف كثيرا صاحب المقهى العربي بامتياز قرب البحر والسور والتاريخ والذكريات، عند تعليق الرفيق المشاكس والراغب على مدى رحلة فلسطين، بتحقيق تمايز ما، سواء في ردة الفعل أو في شكل الانبهار بالأمكنة. وقدم الشاي بالنعناع والقهوة العكاوية السخية، ولم يعر في الوقت نفسه اهتماما بالوافدين الجديدين على المقهى ممن يعتمرون طاقية التعصب الديني الصغيرة في مؤخرة الرأس، انتخبا زاوية بعيدة ومعزولة وطلبا النرجيلة التي لا يتسنى لهم تدخينها (ربما) إلا في مقهى عربي. فهل يتضمن فعلهما اعترافا (ولو متأخرا) بهوية المكان والمدينة (ربما ثانية). وفي الطريق إلى البحر، ورؤية ما تبقى من السور من قرب، كان ارتفاع الخفق حالة منظورة وغير قابلة للاحتواء. وها هي بقايا أسوار ظاهر العمر وأحمد باشا الجزار ظاهرة للعيان إلى يومنا هذا، تحيط بالمدينة القديمة إحاطة السوار بالمعصم ويبلغ محيطها 2580 مترا. وفي شوارع المدينة العتيقة، أو ما يمكن تسميته عكا التاريخية، كان المشهد لا يختلف كثيرا عن شوارع دمشق القديمة وإن أكثر ازدحاما بالقبب والأقواس والحجارة القديمة، وهو لا يختلف كذلك عن شوارع نابلس والخليل القديمة أيضا. شوارع وممرات مسقوفة بالأقواس العابقة بسحر التاريخ وحكاياته، واللافت انتشار المحلات التي تعلق يافطة باللغة العربية فقط، إضافة ليافطات معدنية تنتشر هنا وهناك على امتداد عكا القديمة، تحمل عبارات دينية ووعظية، وهو ما يشير إلى مد إسلامي بدأ يجد صداه لدى الأجيال الجديدة من فلسطينيي عكا الذين صمدوا في مدينتهم ولم يرحلوا عنها إبان احتلالها في العام1948، وهي الأجيال التي يئست(على ما يبدو) من باقي الحلول ومن العون العربي المنتظر على مدى60 عاما ماضية. ويطل أخيرا، البحر بسفنه الكسولة بعد منتصف الليل، وقواربه المستريحة على الشاطئ بعد جولات وصولات طول النهار وجزء كبير من الليل، تحمل خلالها هواة استبصار التاريخ ورؤية ما تبقى من السور داخل البحر، ورؤية بعض مدافع نابليون المركونة بين صخر المياه. البحر والسور ومآذن جوامع باقية وبحارة يتحدثون بلهجة عكاوية تشبه عددا من لهجات شمال الأردن، وشباب يجلسون قرب سياراتهم ويستمعون إلى أغنيات لبنانية ومصرية معاصرة، ويتجاذبون أطراف الحديث، ويبتسمون للمارة، خصوصا من يظهر من أشيائهم أنهم غرباء زائرون للمكان. وهو الترحيب نفسه الذي كان في حانة أخرى قرب البحر، تقدم المشروبات الساخنة والباردة من عصائر وكوك، وطبعا النرجيلة، وتضع شاشة كبيرة للراغبين بمتابعة مسلسل "نور" أو مباراة كرة قدم. وفي المقاهي الملاصقة تماما للبحر، سمات وهويات وأمزجة مختلفة ومتباينة، اللباس المحافظ قرب المتحرر منه، طلاب طالبات مدرسة مختلطة يحتفلون بتخريجهم في مقهى حديث فوق أمواج مياه البحر، بإطلالة فاتنة وعبق خاص. وتظل عكا هي عكا، التي تتكسر الغزوات عند سورها الحصين، ويركل أهلها ببساطتهم وتمسكهم التلقائي بهويتهم ولغتهم ودينهم وسماتهم وعاداتهم وطرزهم المعمارية، الغرباء والدخلاء. وعلى مدى تاريخها، شهدت عكا غزوات وخبرت هجمات، وذهب الغزاة واندحر المعتدون من مختلف جهات الدنيا، وبقيت عكا وبقي سورها. وفي سنة 16 هجرية، فتحها شرحبيل بن حسنة. وفي سنة20 هجرية، أنشأ فيها معاوية بن أبي سفيان داراً لصناعة السفن الحربية "ترسانة بحرية"، وفي سنة 28 هجرية، انطلقت السفن الحربية العربية من عكا إلى جزيرة قبرص. حكمها الشيخ ظاهر العمر الزيداني فترة من الزمن هو وأبناؤه خلال القرن الثامن عشر، وهو من بنى أسوار عكا. حكمها أحمد باشا الجزار فترة من الزمن في نهاية القرن الثامن عشر. سنة 1799ميلادية أوقفت عكا زحف نابليون بونابرت وجيشه الفرنسي الذي وصل إليها بعد أن احتل مصر وساحل فلسطين، فقد حاصرها مدة طويلة، وفشل في اقتحام أسوارها ودخولها، حيث رمى قبعته من فوق سور عكا داخلها، لأنه لم يستطع دخولها، وماتت أحلامه في الاستيلاء على الشرق وعاد بجيوشه. وفي الرابع من شباط(فبراير) من العام 1918 ميلادية احتلها البريطانيون، وبعد ذلك احتلتها العصابات الصهيونية المسلحة بتاريخ 18-5-1948ميلادية بعد قتال عنيف، وبقى عدد كبير من الفلسطينيين في عكا حتى الآن. وحملت مدينة عكا عدة أسماء عبر عصورها التاريخية، ففي العصر الكنعاني أطلق عليها مؤسسوها اسم عكو وهي كلمة تعني الرمل الحار وسماها المصريون عكا أو عك، وفي رسائل تل العمارنة وردت باسم عكا، ونقلها العبريون بالاسم نفسه، ذكرها يوسيفوس فلافيوس باسم عكي، ووردت في النصوص اللاتينية باسم عكي، وفي النصوص اليونانية باسم عكي. أخذت المدينة اسم ACKON عكون إبان حكم الفرنجة لها، كما سميت d’acre -Saint - Jean وقبل ذلك في العهدين الكلاسيكي والبيزنطي حملت اسم بتوليمايس، وظلت تحمله من القرن الثالث حتى القرن السابع الميلادي. وعندما جاء العرب سموها عكا معيدين لها اسمها الكنعاني القديم بتحريف بسيط، وظلت تحمله إلى يومنا هذا. كان قضاء عكا تابعا للواء الجليل الذي مركزه مدينة الناصرة، ويرأس القضاء قائم قام، ويشتمل على عدة قرى ويدير المختار مهام القرية. في عام 1945م بلغ مجموع سكان القضاء68,330 نسمة، منهم 65,380 من العرب و2,950 من اليهود، أي بنسبة 4,3% من مجموع السكان. تنوعت أسباب العيش لدى سكان عكا عندما كانت مدينتهم تنعم في مركزها الاستراتيجي، فقد كانت المنفذ البحري لكل من شمال فلسطين وجنوب سورية، ولعبت دورا هاما طويل الأمد في اقتصاديات المنطقة، وبقي الوضع الاقتصادي يتطور حتى أواخر القرن التاسع عشر، عندما أصبحت عكا تابعة لولاية بيروت، وبدأت الموانئ السورية تنافس ميناء عكا وتقلل من شأنه وقد زاد تطوير ميناء حيفا وافتتاح الخط الحديدي، الذي يصل حيفا بدمشق، الأمر صعوبة حيث تحولت البضائع عن طريق ميناء حيفا لتأخذ طريق حيفا ويافا، ولكن المدينة استطاعت تعويض خسارتها بالزراعة التي نشطت بشكل واسع وساعد على ذلك خصوبة الأراضي وجودتها، واشتهرت فيها زراعة الحمضيات والزيتون والحبوب والتبغ. وبالثروة السمكية التي يشتهر خليج عكا بها وبتنوع تلك الأسماك، ومن أهم الأسماك(الشبوط، أبو منقار، البوري، الغزال، المنورين، المشط، القريدس، الفريدن والأخطبوط). والصناعات التقليدية مثل صناعة الفخار، النحاس، شباك الصيد، الحلويات. وبالصناعات الحديثة حيث كانت توجد في عكا عدة مصانع قبل النكبة 1948 أهمها: معامل الكبريت، معامل المياه المعدنية، معامل النسيج، معامل الألبان والجبن . وفي المدينة أسواق وخانات عديدة مثل السوق الأبيض والسوق الطويل وغيرهما. وكان في عكا عام1901ميلادية عشر مدارس منها: المدرسة الإعدادية، مدرسة الجزار (المدرسة الاحمدية)، مدرسة الروم الأرثوذكس (للبنين) مستواها يعادل مستوى الرشيدية، مدرسة الروم الأرثوذكس (للبنات) ابتدائية، مدرسة البروتستانت (للبنين) إنكليزية ابتدائية وغيرها. هذا بالإضافة إلى ثلاث مدارس حكومية، واحدة إعدادية وواحدة ابتدائية للبنين وأخرى ابتدائية للبنات. كان عدد المتعلمين زمن حكومة الانتداب البريطاني من سكان عكا من سن 7 سنوات وما فوق حسب إحصاء 1931 ما يقارب 840 ذكورا من كل ألف ذكر و308 إناث من كل ألف أنثى. وفي مطلع الأربعينيات كان في عكا ست مدارس إسلامية بما فيها مدرسة الجزار وأربع مدارس مسيحية. وفي أواخر العهد البريطاني في العام الدراسي 1947 / 1948م كان في عكا ثانوية كاملة تابعة لإدارة المعارف، وكانت هناك مدرستان للبنات: ثانوية ومتوسطة ابتدائية، وكانت جميع المدارس تهتم بالحركات الكشفية والرياضية والزراعية خاصة مدارس الذكور. وبالقرب من مزرعة الحكومة (الدبوية) كانت هناك مدرسة إصلاحية للأحداث، وهي مزودة بالخبراء الذين يشرفون على تهيئة هؤلاء الأحداث وإصلاحهم، وقد دربوا بإتقان على بعض الحرف والعمل في الزراعة بطرق علمية، وكانت لهم مزارع تدريبية نموذجية. اهتم الأهالي بإرسال أولادهم وبناتهم إلى المدارس، ونشطت الحركة العلمية، وتابع الخريجون دراساتهم العليا في القدس ودمشق وبيروت والالتحاق بالكليات الجامعية. وكان في عكا في تلك المرحلة 4 محامين و5 أطباء من أبناء البلدة وتقع القلعة شمال المدينة القديمة وتتألف من ثلاثة أقسام: برج الخزانة، الجبخانة (كلمة تركية تعني دار الأسلحة) والثكنة العثمانية. ومن معالم عكا التاريخية والعمرانية البارزة: السراي القديمة، جامع الرمل، جامع الزيتونة، خان العمران، خان الفرنج، خان الشواردة، حمام الباشا، تل الفخار أو(تل نابليون)، قناطر مياه الكابري وأقنيتها ومقام النبي صالح.
منقول
عكا تنام خلف السور على أنغام أغنية البحر ونداءات الصيادين وحداءات الأمهات