البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
| موضوع: بين البُطء .. والسرعة .. والتعجُل الأربعاء فبراير 03, 2010 4:40 pm | |
|
بين البُطْءِ .. والسُّرعةِ .. والتّعجُّل
إبراهيم كشت - حين روى أهلونا ومعلمونا لنا ونحن صغار قصة الأرنب السريع والسلحفاة البطيئة، أخبرونا أن الغلَبَةَ في النهاية كانت للبطيء ..! لأن الأرنب نام قبل أن يصل الهدف ..! أما السلحفاة فقد ثابرت وسبقته رغم بُطئها ..! فكأنما البطيء دائماً هو المثابر، أما السريع فكسولٌ ينام قبل أن يبلغ غايته ..! مع أن الواقع والحقيقة وأحداث التاريخ وخبرة الحياة تقول بغير ذلك، فالمجتمعات التي تؤمن بالإنجاز، وتواكب مقتضيات العصر، وتأخذ بأسباب التقدم والتفوق، تقول : (ليس الكبير هو الذي يأكل الصغير، بل السريع هو من يأكل البطيء) وتقول : (لم يعد البقاء للأفضل وحسب، فقد أصبح البقاء للأسرع أيضاً)، وتقول : (عليك أن تركض بأقصى سرعة، لكي تتمكن من البقاء واقفاً مكانك) .. في الفيزياء، تُعبِّر السرعة عن علاقة بين الزمن والمسافة وشيء آخر متحرك، فهي ناتج قسمة المسافة التي يقطعها ذلك الشيء على الزمن المستغرق . أما في الحياة بشكل عام فاجتهدُ بالقول إن السرعة تُعبّر عن مدى التقدم في إنجاز معين خلال فترة زمنية محددة، أو تعبر عن الفترة الزمنية التي يستغرقها الفرد أو المؤسسة أو المجتمع في الوصول إلى هدف محدد . والسرعة بالمعنى المتقدم شديدة الصلة بجانبين آخرين من جوانب الحياة وهما : التنافس، والسبقية . وبالنسبة للتنافس، سواء أكان على مستوى الأفراد أم المؤسسات أم المجتمعات، فهو يشير إلى معنى التسابق نحو هدف، ضمن أحكام وقواعد قانونية وأخلاقية، تضمن عدم تحول التنافس إلى صراع سافر، يعمل فيه كل طرف على إيذاء الآخر وتحطيمه، وليس مجرد وصول الهدف قبله . وسواء أكان التنافس في الألعاب الرياضية، أم بين الطلبة لتحقيق مراكز أفضل ودرجات أعلى، أم بين الأفراد في العمل، أم بين المؤسسات في إنتاج السلع أو الخدمات أو المعرفة، أم بين المجتمعات في التفوق والترقي والقوة . فإن السرعة ميزة تنافسية مهمة، وعنصر أساسي في الوصول إلى الهدف قبل المنافسين، كما أن سرعة الأداء والإنجاز تحقق بحد ذاتها أحد أهم مقومات التفوق. وبخصوص الجانب الآخر الذي ترتبط به السرعة، وهو السبقية، فأعني بها المبادرة، أي أن تكون أول من قام بالشيء، بمعنى أن تسبق الآخرين في تقديم ما هو جديد، وهذا نمط من الإبداع لا شك أنه يتطلب السرعة أيضاً، إضافة إلى عناصر غيرها بطبيعة الحال، لكن سرعة التفكير والتدبير والإنجاز، هي أهم ما يحقق ذلك السبق . ومثلما أن الجاذبية، والاحتكاك، واتجاه الريح، والوسط الذي ينتقل فيه الشيء وسوى ذلك، قد تعوق سرعة الاجسام في عالم الفيزياء، فثمة ما يعوق السرعة في الحياة الإنسانية كذلك، وأول تلك المعوقات طبيعة الثقافة، فإذا كانت الثقافة لا تقيم وزناً لعنصر الزمن ولأهمية الوقت، أولا تمنح السبق والتفوق قيمة، أو تشجع على التمهُّل والتأني والبطء، فلن يحقق الأفراد والمؤسسات السرعة في ظلها . ومما يعوق السرعة ويثبطها كذلك التشتت، وعدم التركيز، والانشغال عن الهدف على مستوى الفرد، وعدم الاهتمام بقياس السرعة، والبيروقراطية، وتعدد الاجراءات، والمركزية، على مستوى المؤسسات . ومما قد يسهم في تحفيز السرعة وزيادتها، الذكاء في اختيار الطريق الأقصر للوصول، فإذا كان الهدف مثلاً يقع على رأس مثلث، وكنت أنت تقفُ عن رأسٍ آخر للمثلث ذاته، فيمكنك الوصول إليه من خلال السير نحوه على ضلعين من أضلاعه، أو على ضلع واحد، لكن فطنتك ستهديك إلى أن مجموع طول أي ضعلين في المثلث يزيد على طول الضلع الثالث، وبالتالي فإن سلوك طريق الضلعين يطيل (المسافة)، التي تشكل أحد عنصري السرعة الأساسيين . ويسهم في زيادة السرعة كذلك الانتباه، والتركيز، وعدم التسويف، واتباع منهج البدء فوراً (خير وسيلة للبدء هي أن تبدأ)، إضافة إلى المرونة، والتحديد المسبق للزمن الذي يرادُ الوصول خلاله . ومما يحفز على السرعة أيضاً، وبخاصة على مستوى المؤسسات والعمل الجماعي، الإحساس بالإلحاح، حتى أن بعض الاتجاهات الإدارية تأخذ بما يسمى (الإدارة بالأزمات) أي خلق إحساس دائم لدى الأفراد بوجود حالة طوارئ، تدفعهم إلى سرعة التحرّك والإنجاز . بقي أن نقول إن ثمة فرقاً بين السرعة والتعجّل، فإذا كنتَ مزارعاً فقطفتَ الثمار قبل نضجها فأنت متعجّل، أما إن عجّلت بقطفها فور نضجها لتدرك السوق مبكراً، فتلك سرعة محمودة. وقد درج الذين ينتقدون السرعة للاستناد إلى ضرورة تدبّر الأمور وتقليبها على كافة وجوهها والتفكير فيها قبل اتخاذ القرار. وهذا صحيح، غير أن التفكير والدراسة، والتخطيط والتدبر، يجب أن تتم بسرعة، لا أن تُتخذ حجة للإبطاء والتباطؤ . فالنجّار الحصيف المحترف، يقيس قطعة الخشب مرتين قبل أن يقطعها، لكنه لا يتخذ من ضرورة قياسها مرتين أو ثلاث حجة لتأخير إنجاز صناعته .
منقول
| |
|