موضوع: الإمساك : نداء الفجر الكاذب الثلاثاء سبتمبر 15, 2009 9:47 am
الإمساك: نداء الفجر الكاذب
د.يوسف ربابعة - لم يزل الناس يأكلون ويشربون أثناء الأذان وبعده، ويمسكون عن الطعام والشراب إذا سمعوا أذان الفجر حين يقول المؤذن: الصلاة خير من النوم. وصار من المعروف عند الناس الذين يلتزمون صيام شهر رمضان أن الأذان الأول يسمى ''الإمساك'' رغم أن الصائمين لا يمسكون عن طعام ولا شراب عند سماعه، وكان المتعارف عليه في تاريخ الإسلام أن الأذان الأول هو إيذان بدخول الفجر، لكنه فجر كاذب تزداد الظلمة بعد حلوله، ولأذان الثاني هو إيذان بدخول الفجر الصادق، الذي يظهر النور بعد حلوله، فقد ورد في صحيح الجامع عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''الفجر فجران؛ فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان، فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلا في الأفق، فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام ''، ويسمى الفجر الأول '' الفجر الكاذب''، ويسمى الثاني '' الفجر الصادق''، وقد ذكر العلماء ثلاثة فروق بينهما: فالأول ممتد لا معترض، أي : ممتد طولا من الشرق إلى الغرب، والثاني معترض من الشمال إلى الجنوب، والفجر الأول يظلم، أي : يكون هذا النور مدة قصيرة ثم يظلم، والفجر الثاني : لا يظلم بل يزداد نورا وإضاءة ثم إن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة. أما في اللغة فإن ابن منظور أورد فى (لسان العرب) قوله: ''الفجر ضوء الصباح وهو حمرة الشمس فى سواد الليل، وهما فجران؛ أحدهما المستطيل وهو الكاذب الذى يسمى ذنب السرحان، والآخر المستطير، وهو الفجر الصادق المنتشر فى الأفق الذى يحرم الأكل أو الشرب على الصائم ولا يكون الصبح إلا الصادق، وسمي ذنب السرحان وهو الذئب الأسود؛ لأن باطن ذنبه أبيض وبجانبيه سواد كالفجر الكاذب فهو عبارة عن خيط يضيء يمتد من المشرق من موضع طلوع الشمس إلى كبد السماء ويحيط به الظلام من الجانبين وسمي القسم الأول من الفجر الغلس، وهو الذى كان رسول الله يصلى فيه الفجر '' والغلس : - كما قال بن منظور فى لسان العرب وابن الأثير فى النهاية- '' هو ظلمة آخر الليل، إذا اختلطت بضوء الصباح، ''وفى الحديث المتفق عليه أن النبى صلى الله عليه وسلم ''كان يصلى الصبح بغلس'' فالغلس من وقت الفجر وليس من الليل. والفجر عند الفلكيين هو عبارة عن الضياء المنتشر في الأفق الشرقي الناشئ عن أشعة الشمس قبل طلوعها، بحيث تكون منحطة عن الأفق ب19 درجة، وحصته هي المدة التي بين طلوع الفجر الصادق وطلوع الشمس، ويسمى بالصادق لأنه كالمخبر الصادق عن وجود النهار، اذ لاتعقبه ظلمة، وهي عبارة عن ضوء حاجب الشمس، إلا عند قرب طلوعها، وهو يطلع مستطيرا؛ أي منتشرا معترضا بنواحي الأفق، بخلاف الفجر الكاذب، فإنه لايمتد مع الأفق، بل يطلع مستطيلا في وسط السماء، وتسميه العرب المحلف، كأنه من اغتر به يحلف أنه الفجر، ومن عرف حقيقته يحلف أنه لم يطلع. فقد عرفت العرب فجرين، وكان لكل واحد منهما خصائصه ومميزاته، فقد روى مسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ''لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال ـ أو قال نداء بلال ـ من سحوره، فإنه يؤذن ـ أو قال ينادي بليل ـ ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم'' وقال '' إن الفجر ليس الذي يقول هكذا ـ وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ـ ولكن الذي يقول هكذا'' ووضع المسبحة على المسبحة، ومد يده. وجاء توضيح ذلك بقوله: ''هو المعترض وليس بالمستطيل''، وبقوله ''لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا'' يعني معترضا. وهناك بعض الفرق الإسلامية ترى أن الفجر الكاذب هو المدون توقيته بشكله الرسمي المعروف، أما الفجر الصادق فهو بعده بعشر دقائق أو عشرين دقيقة ، ولذلك لا يصلون الصبح ولا يمسكون عن الطعام في الصيام إلا بعد طلوع هذا الفجر، مما يشكل مسألة مختلفا عليها عند الناس، لكن أغلب العلماء يردون على ذلك، فيقولون: إن تعيين الفجر الصادق والكاذب تعيينا مستمدا من الحديث النبوي والأرصاد الحديثة، وقد قام به مختصون من دوائر الإفتاء الشرعية في البلدان الإسلامية، وانتهوا إلى أن الفجر الصادق هو الذي يرفع له الأذان، ولابد من اتباع ذلك ما لم يظهر شيء آخر يقوم على حقائق علمية وأرصاد يقينية صحيحة، وأن الذين يتبنون الرأي المذكور هم طائفة اعتمدوا على ما ورد عند الطبري في تفسير قوله تعالى'' وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، فقال: إن حل الصلاة وتحريم الطعام يكون بعد طلوع الفجر وتبينه في الطرق والبيوت، وروى ذلك عن عمر وحذيفة وابن عباس وطلق بن على وعطاء وبن أبي رباح، وروى النسائي عن عاصم بن زر قال: قلنا لحذيفة : أي ساعة تسحرت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ قال: هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع. إلا أن هذا الحكم اعتبره كثير من العلماء خاصا بأهل اليمامة، وحسب اختلاف مواقيتهم، استنادا لما ورد عند أبي داود حين قال: هذا مما تفرد به أهل اليمامة: قال الطبري: والذي دعاهم إلى هذا أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس، وآخره غروبها. هذا وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء المصرية بتاريخ 22 من نوفمبر 1981م بما نصه: إن الحساب الفلكي لمواقيت الصلاة الذي تصدره هيئة المساحة المصرية عرض على لجنة متخصصة من رجال الفلك والشريعة فانتهت إلى أن الأسلوب المتبع في حساب مواقيت الصلاة في جمهورية مصر العربية يتفق من الناحية الشرعية والفلكية مع رأي قدامى علماء الفلك من المسلمين. الفجر الصادق وامتيازه عن الفجر الكاذب (نظرات الشيخ محمد تقي الدين الهلالي) إن من أهم الكتب التي درست واستفاضت في قضية الحديث عن الفجر الكاذب والفجر الصادق هو كتاب ''الفجر الصادق وامتيازه عن الفجر الكاذب'' للشيخ محمد تقي الدين الهلالي، الذي يبين في بدايته الحاجة التي دعته لذلك، وهي أنه عندما ترك العراق وهاجر إلى بلاد المغرب وجد عندهم خلط في تعيين مواقيت الفجرين، فيقول: '' قضيت شبابي وكهولتي وبعض شيخوختي في الشرق ولما رجعت إلى المغرب بسبب الفتنة التي صارت في العراق سنة ( 1379 هـ) اكتشفت بما لا مزيد عليه من البحث والتحقيق والمشاهدة المتكررة من صحاح البصر؛ لأني كنت في ذلك الوقت أبصر الفجر بدون التباس، وعرفت أن التوقيت المغربي لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي، وذلك أن المؤذن يؤذن قبل تبين الفجر تبينا شرعيا، فأذانه في ذلك الوقت لا يحل صلاة الصبح ولا يحرم طعاما على الصائم'' فأراد من كتابه أن يوضح المسألة بشكل علمي، معتمد على الآيات والأحاديث الواردة في هذا الموضوع، لكن من غريب ما ذكر في كتابه مجموعة من الأحاديث والأعمال الواردة عن النبي عليه السلام وصحابته، ومما أورده أن معمرا كان يؤخر السحور جدا حتى يقول الجاهل لا صوم له، وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر. وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال: ''الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود''. وقال ابن المنذر: ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت. وروى بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر رضي الله عنه قال له: '' اخرج فانظر هل طلع الفجر، قال: فنظرت ثم أتيته فقلت: قد إبيض وسطع، ثم قال اخرج فانظر هل طلع الفجر فنظرت فقلت: قد اعترض فقال: الآن ابلغني شرابي وروى بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: '' إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه''، ثم قال ابن حزم بسنده إلى أبي بكر الصديق أنه قال: '' إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحد هما فليأكلا حتى يتبين لهما''. وروى بسنده إلى سالم بن عبيد وهو أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان أبو بكر يقول لي: ''قم بيني وبين الفجر حتى نتسحر''. ثم روى بسنده عن أبي قلابة أن أبا بكر الصديق كان يقول: '' أجفوا الباب حتى نتسحر''. ثم روى من طريق حماد بن سلمة عن أبي هريرة أنه سمع النداء والإناء على يده فقال: ''أحرزتها ورب الكعبة''. ثم روى من طريق ابن جرير عن ابن عباس قال: ''أحل الله الشراب ما شككت، يعني في الفجر'' ثم روى عن عكرمة قال: قال ابن عباس: '' أشك لعمر الله اسقني، فشرب''. ثم روى بسنده عن مكحول الأزدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم فقال لرجلين: '' أطلع الفجر؟ قال أحد هما قد طلع، فقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر''. وروى بسنده عن حبان بن الحارث أنه تسحر مع علي بن أبي طالب وهما يريدان الصيام فلما فرغ قال للمؤذن أقم الصلاة. وروى بسنده من طريق ابن أبي شيبة عن عامر بن مطر قال: '' أتيت عبد الله بن مسعود في داره فأخرج لنا فضل سحوره فتسحرنا معه فأقيمت الصلاة، فخرجنا فصلينا معه''. وعن خبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت عمتي وكانت قد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: '' إن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال، وأن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، قالت: وكان يصعد هذا وينزل هذا، قالت: فكنا نعلق به فنقول كما أنت حتى نتسحر''. وعن ابن جريج قلت لعطاء: '' أتكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي قد أصبحت، قال: لا بأس بذلك هو شك''. ومن طريق ابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عند الأعمش عن مسلم قال: '' لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق''.