موضوع: مفردات البيت الدمشقي التراثي الأربعاء يونيو 10, 2009 1:59 pm
مفردات البيت الدمشقي التراثي
يعتبر البيت الشامي التقليدي مأثرة من مآثر العمارة العربية بمواصفاته الفريدة التي اكتسبها خلال قرون من الازدهار الحضاري بلغ خلالها فن العمارة الإسلامية القمة في الإبداع والتوزيع الوظيفي، المهندسة إيمان الفار المختصة بهندسة العمارة القديمة تبين لنا بعض المفردات الخاصة بهذا المنزل. البيت الشامي مثال صادق لجمال البيت العربي المغلق من الخارج المفتوح إلى الداخل حيث نجد (ارض الديار) واسعة تتوسطها بحرة جميلة وتحيط بها غرف البيت المكونة من طابقين في اكثر الأحيان ويتصدر البيت الإيوان والى جانبه غرفة الاستقبال المفروشة ولا يخلو بيت شامي قديم من الشجر والأزهار. في قلب مدينة تعشّقت حضارةً وتاريخ ومن داخل أسوارها القديمة يتراكم ارثٌ ثقافي يشهد على قرون خلت وإمبراطوريات سادت ثم بادت؛ إنها دمشق، تلك المدينة القديمة والصبيّة في آن معًا؛ مدينة الرمز والهوية لأجيال تعاقبت وأحداث توالت.
ومن قلب السور خلف الأبواب، حارات وأسواق وحمامات تنبض حياة وحركة؛ كثيرة هي حارات دمشق القديمة، وفي حيّ بالقرب من ''القيميرية''، دخلنا نستطلع البيوت الدمشقية في أجواء تراثية نابضة تحاول مقاومة الزحف العمراني الحديث، فنسمع همس الجدران يئن تاريخًا شارف على الاندثار؛ فهنا بيوت عتيقة تحاول إن تحفظ جزءا من حضارة شاهدة على عمق المكان والإنسان. الفن العربي في البيت الدمشقي يعد البيت الدمشقي نواة دمشق و وحدتها الأساسية، وقد تحول العديد من هذه البيوت إلى متاحف و مطاعم، وأماكن يرتادها السواح، ومنها بيت آل العظم الذي حُوّل إلى متحف، وبيت النعمان عند باب شرقي الذي أسس عام 1865، وبيت جبري الذي حول إلى مطعم تراثي. وتعود أغلب البيوت الحالية إلى الحقبة العثمانية وهي لا شكل خارجي جذّاب لها، بل هي كالدّرة المكنونة لا تدرك جمالها إلى من الداخل، فحتى الشرفات تتجه إلى صحن الدار، فيما الشبابيك الخارجية المطلة على الحارة تكون قليلة مقارنة بالنوافذ الداخلية المطلة على باحة المنزل، وهي مغطاة بما يعرف ب''المشربيات'' التي تحجب سكان البيت عن أعين الفضوليين، وتكريسًا لفلسفة الستر التي تميزت بها العائلات الدمشقية القديمة، حيث أن المرأة لا تكاد ترى رجلا أو تختلط به. فالبيت يُقام لساكنيه وهو عالي الجدران خارجيًّا منفرج القلب داخليًّا، تتوسطه باحة كبيرة تعرف ''بأرض الديار''، تتمركز وسطها نافورة ماء تدعى ''البحرة''، كما تظلل الباحة أشجار الليمون والياسمين والريحان، ويتصدرها إيوان وصحن مزين بالأقواس وغيرها من العناصر الفنية الجميلة. ويتكوّن البيت الدمشقي عادة من طابقين، فيما يتزين بالفنون العربية ''الأرابسك''، فتعلو جدرانه الآيات القرآنية والحكم المزخرفة من الفضة والنحاس والصدف والمزاييك والفسيفساء...أما الأسقف فبعضها جداريات جميلة، وبعضها خشبي يأخذ أشكالا هندسية منمقة تتدلى من وسطها ثريات بلورية راقية. الزخارف الداخلية للمنزل وقد يلاحظ الزائر لبيت دمشقي تاريخي اهتمام أهل الشام بتزيين وزخرفة الدور من الداخل وكانوا ينظرون في البناء إلى ثلاثة مقاصد في أن واحد هي المحافظة على الدين والصحة وطبيعة الإقليم معا. والنافذة في البيت الشامي لابد منها لنفوذ النور ودخول الشمس وتجديد الهواء وكانت تفتح على صحن الدار والإيوان والمشارق الواسعة فقط ولا تفتح على خارج الدور كالطرق بحيث يظل كل ما في الدار ضمن جدرانها ولا يتعداها بعيدا عن أنظار الغريب والقريب على السواء. وتكون صحن الدار معرضة للشمس الساطعة من الصباح حتى المساء يتخللها الهواء النقي. ويقال إن أول بيت عربي شيد في دمشق كان للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان حيث شيد داره التي عرفت بدار الإمارة وبقصر الخضراء أيضا نسبة إلى القبة الخضراء التي كانت تعلوها وكانت إلى جوار الجدار الجنوبي (للجامع الأموي الكبير) تتصل به بباب خاص. وعن الخصائص الجمالية والهندسة للبيوت الشامية القديمة يقول المهندس أحمد السالم'' إن اجمل البيت الدمشقي يكمن في البساطة الهندسية والتكوين والتشكيل الخارجي وروعة ودقة وإبداع''. والبيوت والدور الأثرية والتاريخية التي يمر بها الإنسان في دمشق القديمة لا يمكن أن تحمل هذا الوصف إلا حين يدخلها المرء ويشاهد ما يستره الحجاب من عظمتها ومن البساطة والحشمة فيرى الزائر جدرانا باسقة وزخارف هندسية وفنية متناغمة وأشجارا ونباتات متنوعة. وعندما يدخل الزائر أحد البيوت الشامية القديمة العريقة فأول ما يواجهه عند بوابتها ما يسمى ''الخوخة'' التي تسمح بمرور الإنسان وحيدا ضمن بابا البيت الكبير. وهذه الأبواب جزء من تاريخ العمارة العربية القديمة اندثرت صناعته منذ زمن بعيد إذ كان الباب الدمشقي يصنع من الخشب قطعة واحدة- درفة واحدة- وغالبا ما يكون خشبا مغلفا بالزنك وهناك نوع من الخشب المقوى وهما نموذجان بسيط مؤلف من درفة واحدة وأخرى كبير ضخم مؤلف من باب مرتفع يتوسطه آخر صغير لدخول الشخص وهو عادة من أبواب الأعيان والأغنياء وفي كثير من الأحيان يكون الطرف العلوي للباب على شكل قوس. أما المنزل من الداخل فتبدأ بعد دخول البيت من في الطريق لصحن الدار يمر الزائر بدهليز حتى إذا دخله يقف أمام فسحة ضخمة مفتوحة إلى السماء تزينها الأشجار والنباتات الشامية العريقة والزهور الدمشقية النادرة. فهناك الياسمين وشجر التوت والنارنج والكبار والليمون الحلو والحامض والبرتقال وهي من الأشجار التي لا يتبدل ورقها ولا يتساقط لا في الصيف ولا في الشتاء بل تظل خضراء نضرة طوال العام وهكذا يكون صحن الدار كروضة غناء تغني عن الحدائق الخارجية للقاطن. وإذا سار الزائر بين هذه المساحات الخضراء الرائعة يجد بساطا من الزخارف المنفذة من الرخام والزخارف الحجرية السوداء والبيضاء حيث يلاحظ وسطها القبب السوداء والبيضاء ويتوسط هذه الفسحة السماوية البحرة المنفذة من الآجر المشوي والمكسوة أحيانا بالرخام أحيانا أخرى بأحجار سوداء وبيضاء وتزينها خيوط هندسية وفنية منحنية تتوزع على حافتها ألواح من الرخام أو الحجر المزرر والمفصص باللونين الأحمر والأبيض. ومن مفردات البيت الشامي ''الليوان'' وقاعات الاستقبال والضيافة حيث لا يخلو سقف الليوان من الزخارف الخشبية المنفذة بعدة أشكال فيرى الزائر في صناعتها الحشوات والملايات والسراويل وغيرها. وهذه العناصر التزيينية توزع لتعطي في لوحتها النهائية هذا الديكور الفريد من نوعه ويتوزع فيه فتحات جدارية فيها الكوى وهي ذات أبعاد صغيرة وتستخدم للشمعدانات وقناديل الكاز أو في بعض الأبنية تجد فيها فتحة جدارية كبيرة ينسكب منها الماء من الأعلى وعبر نظام تمديد للمياه العذبة التي تذهب في حوض البحرة وهكذا يجد الزائر مرآة تعكس نفسها فصوت الماء وجريانه والجو الرطب الذي يصنعه وكأنه مكيف هواء. ولا تخلو أي دار من هذه الدور الأثرية من قاعة رئيسية للضيافة والاستقبال ولا تخلو هذه من أرضية متفاوتة المناسيب لتخلق تيارات هوائية رطبة وعازلة وحافظة لدرجة الحرارة المعتدلة حيث الأرضية الأساس عند المدخل والقطر الذي يرتفع بأرضية عن الأولى فتكون هذه القاعات بقطر واحد أو اثنين أو ثلاثة أحيانا. ويكسو جدرانها الرخام المشقف والمطعم بالصدف او يكون منقوشا من الحجر الزاخر بالفن والإبداع والأسقف يتوسطها ويحملها قوس حجرية ضخمة مزخرفة. وفي التوزيع العام تقسم هذه البيوت إلى ثلاثة أقسام وهي السلملك للرجال والحرملك للنساء والخدملك للخدم. أما بالنسبة للأثاث فكانت لغرف الدار دكات وعتبات فالداكات تغشاها دفوف خشبية تفرش أو لا بالحصير وفوقه تمتد الطنافس والبسط وعلى أطرافها توضع المقاعد الطواطي أو الدواوين ومساندها المغلفة بنسيج موشى معروف باسم دامسكو أي الدمشقي وهو نسيج مخملي منقوش نقشا فاتنا لطيفا وهذه الصناعة فقدتها دمشق واستعاضت عنها بنسيج صوفي أو قطني. وفي الطوابق الأولي هناك منشر للغسيل يسمى المشرفة وهو شبيه بالفسحة السماوية وإذا وجد أعلى من هذا الطابق نجد غرفة لا اكثر تسمى الطيارة ويفصل ملكية البناء في الأسطح جدار خفيف الوزن مصنع على نموذج البغدادي ومكسو باللبن الطابوق- أو الكلس العربي ويسمى بجدار الطبلة. وإذا دخل الزائر المطبخ يشاهد مفرداته في البيت الشامي وهي المدخنة والموقد ومكان تخزين الحبوب وبيت المونة- السقيفة- ويجد في اسفل الدرج أو في اسفل الجدران الداكونة الخرستانة. وإذا ما انتهى الزائر من داخل الدار ووصل إلى الدهليز يصل إلى باب الخروج الذي دخل منه وهناك يتأمل البوابة الضخمة التي تتمفصل مع ساحق الباب ويغلق بزعرور أي مفصل أسطواني من صلب خشب الباب ومصفح بالصاج السميك ليحميه من تآكل الاحتكاك. وهناك الساقط الذي يرفع وينزل وهو وتر خشبي داخلي وكذلك يشاهد القنصلية (كونسول) وهي من مفردات البيت الشامي حيث فيها مرآة جدارية وطاولة بيضاوية الشكل. وينتشر في أحياء دمشق القديمة البيت العربي الرشيق ذو الطابقين المبني في أساسه من الحجارة وفي جدرانه العلوية من اللبن والخشب وسقفه من الخشب والتراب الذي اثبت مقاومة مقبولة أمام الذات وقابلية كبيرة لإضافة الملاحق وللتوزيع في التزيينات والزخرفة وشاع في دمشق القديمة استخدام الشرفات المطلة على الحارات والأزقة من الأعلى بنوافذ واسعة وكذلك شاع استخدام المساحات الهوائية من الممتلكات العامة عن طريق بناء إمتدادات للطابق العلوي على قناطر فوق الطرق والأزقة والحارات واستخدام السطوح لاستقبال الهواء النقي وأشعة الشمس عن طريق مصاطب وحدائق علوية وحجرات إضافية صغيرة وخاصة بعنايتها بالحجرات الداخلية وتزويدها بتجهيزات إضافية تستوعب مقتنيات الأسرة بالإضافة إلى الأثاث ومواد المؤونة. وكانت وسيلة تدفئة البيت الشامي القديم هي الموقد الحديدي أو النحاسي الذي يملا فحما ويوقد في خارج البيت ويترك إلى أن يتطاير منه الغاز ثم يؤتى به إلى الغرفة فيدفئها دفئا معتدلا ومع الزمن تم استبدال الموقد ب(الصوبة) التي يكون وقودها أما الحطب أو الديزل. ومع مرور الزمن فقدت بعض الدور رونقها وزالت المحاسن التي كانت تحويها من سعة وإتقان مما أدى إلى هجران البعض إلى الأحياء الحديثة. وقد انتبهت الجهات المعنية بالمحافظة على هذه البيوت القديمة وقامت بشراء بعضها وحولتها إلى متاحف للتراث وشجعت كل من يمتلك بيتا من هذه البيوت على ترميمه وإدخال اصطلاحات أو إضافات عليه تتواكب مع العصر شريطة عدم المساس بأساسيات القديم. وفي هذا الإطار تقوم شركات الإنتاج الفني التلفزيوني أو السينمائي باستئجار العديد من البيوت القديمة لتصوير نتائجهم فيها خاصة تلك المسلسلات التي تصور مرحلة من التاريخ الدمشقي المعبر عن فترة الخمسينات والستينيات وما قبلها أبواب شرقية درجت العادة على أن تكون الأبواب الشرقية ذات استخدامات متنوعة فإنها إما تكون أبواب داخلية للقاعات الشامية أو تكون جدارية كلوحة فنية معلقة على الجدار أو أن تكون باب لخزانة جدارية واستخدمت فيها فنون الحفر والمرايا والنقوش الشرقية الإسلامية وعتقت بورق الذهب والفضة والألوان الدمشقية الرائعة.
أثاث شرقي
استخدم الفنان الدمشقي تصاميمه ليضفي لمسة شرقية آسرة على كل القطع الخشبية المستخدمة في البيت الدمشقي، وكان للأثاث الدمشقي حظ وفير من هذه الفنون حيث أبدع الدمشقيين تصاميم رائعة على قطع الأثاث المختلفة كالكراسي والطاولات والمجالس والديوانيات (الأرائك) والبرفانات وغرف الطعام بما تحتويه من قطع أثاث مختلفة. قاعات شرقية تميزت القاعات الشامية بزخارفها ونقوشها على الجدران والأسقف وبرزت فيها المقرنصات والآيات القرآنية المنقوشة والموشاة بالذهب والفضة وبرز فيها أيضاً الفيترينات الشرقية التي تستخدم لصمد التحف النحاسية والزجاجية الرائعة. لوحات فنية سخرت اليد المبدعة الدمشقية فنونها في اللوحات الفنية والآيات القرآنية واستخدمت إبداعات الخط العربي وتركيباته بأنواعه المختلفة وشكلوا منها تحف فنية رائعة تسر الناظرين وتفتن قلب عشاق الفن.