يعتبر فرديناند (ماجلان) من اعظم البحارة والملاحين في جميع عصور التاريخ.. لقد عبر هذا الملاح البرتغالي المحيط الاطلسي ثم عبر مضيق عُرف باسمه الى المحيط الهادي حتى وصل الى جزر الفلبين وفيها قُتل بعد معركة غير متكافئة مع سكان هذه الجزر البدائيين. وكل ذلك من اجل هدف علمي هو اثبات كروية الارض، ولتصحيح فكرة نسبة اليابسة الى الماء على الارض ومن اجل اكتشاف مناطق خيرات جديدة لصالح التاج الاسباني الذي شجعه ومده بكل ما يلزم وكان ذلك في عام (1518) حيث جُهز بـ(5) سفن و(270) رجلاً مع اموال ومؤنة ومعدات.. وكانت له نهاية هذه الرحلة والمغامرة الشاقة جداً انه لم يرجع الى اسبانيا سوى سفينة واحدة بعد ان تحطمت السفن الاخرى ورجع من الرجال الذين بقوا احياء (4) رجال فقط!!.
ماجلان قهر البحر برجال منهكين
و(ماجلان) والذي عُدّ من احد كبار المستكشفين في القرن (16) كان في الخامسة والثلاثين حين شرع بالقيام بهذه الرحلة المدهشة والخطيرة. وفي هذا الكتاب (ماجلان قاهر البحار) للمؤلف (ستيفان زفايج) الروائي والمؤرخ النمساوي المعروف نقرأ عن ماجلان بعض المعلومات كما وردت فيه كما يلي: ''ان عبور المحيط المجهول (المحيط الهادي) للمرة الاولى عمل من اعظم الاعمال التي عرفتها البشرية... فهذا المحيط بحر واسع الى حد عسير على عقل الانسان ان يتصوره.. فقد سبق ان عبر كريستوفر كولومبس المحيط الاطلسي.. فعُدّ ذلك في حينه نصراً لا يحرزه الا ذو شجاعة عظيمة.. ومع ذلك فإن عمل كولومبس لا يمكن ان يُقاس بالنصر الذي احرزه ماجلان على عناصر الطبيعة مقابل الوان من الحرمان لا توصف.. فلقد انطلق (ماجلان) على عكس رحلة كولومبس الميسرة والسهلة الى حد ما) في عالم مجهول تماماً برجال منهكين قاسوا آلام الجوع وانواع الحرمان.. فهذه الآلام كانت تواكبهم في رحلتهم وتهدد حياتهم. فثيابهم بالية وحبال سفنهم قلوبهم بالية ايضاً!! وقد مرت اسابيع لم يقع نظرهم فيها على وجه انسان ولم يتناولوا طعاماً طازجاً، وهم في سرهم يحسدون رفاقهم الذين فاقوهم جرأة ففروا في الوقت المناسب عائدين الى اسبانيا، بدلاً من متابعة الرحلة وتعريض انفسهم للهلاك في ذلك البحر الشاسع. تلك هي الظروف التي سارت فيها السفن عشرين يوماً ثم ثلاثين واربعين وستين يوماً.. دون ان يلمحوا وراء الافق ظل ارض، او يبدو لهم ما يدل على انهم يقتربون من الساحل.. ومضت اسابيع اخرى ايضاً، فصار المجموع ثلاثة اشهر أي اطول من المدة التي عبر فيها كولومبس المحيط الاطلنطي (الاطلسي) ثلاث مرات!!! وطفت سفن ماجلان تسير على هدى آلاف الساعات بعد ما اختفى في الافق رأس (كابو ديسيادو) ولم تبدُ الخرائط ماجلان ومقاييسه اية قيمة.. واتضح ان جميع المسافات التي دونها (فاليرو) خاطئة.. وماجلان يعتقد انه قد جاوز جزيرة (سيبانغو) و(اليابان) من زمن بعيد.. ومع ذلك فإنه لم يعبر بعد غير ثلث المحيط المجهول الذي سماه بسبب انقطاع الرياح فيه بـ(المحيط الهادىء). ولكن ما اثقل هذا السكون وما افظع هذا الهدوء.. فإن البحر ما زال على زرقته ولألأته، والسماء ما برحت صافية محرقة، والهواء لا يحمل صوتاً ولا نأمة، والافق ينفسح لهم كلما اوغلوا فيه ولا يحيط بالسفن الصغيرة الثلاث المتبقية غير الفضاء الازرق، وهي وحدها النقط المتحركة وسط الجمود الرهيب. والمؤن تنقص بصورة مخيفة، والمجاعة تتفاقم يوماً بعد يوم، والذي يوزعه الموظف المختص على البحارة كل يوم ليس طعاماً.. ولكنه اكوام من الاقذار.. وقد نفذ النبيذ من زمن وهو الذي كان البحارة يرطبون به شفاههم ويبعثون به نشاطهم.. والمياه العذبة المحفوظة في البراميل فارت تحت نار الشمس التي لا ترحم فانبعث منها رائحة كريهة تضطر البحارة المساكين الى سد انوفهم بأصابعهم عندما يبللون شفاههم بقطرات منها.. اما الخبز المجفف وهو مع السمك اساس غذائهم فقد تحول الى مسحوق قاتم قذر اختلط به الدود وافسده براز الجرذان التي دفعها الجوع الى السطو على البقية الباقية من الزاد والبحارة يطاردون دائبين تلك الحيوانات الكريهة لا ليتخلصوا منها بل ليأكلوها.. والصياد الماهر الذي يظفر بفأر في يده يبيعه بنصف دوكا ذهبية. فيأخذه المشتري السعيد ويلتهمه بشراهة ويخترع البحارة الواناً من الاطعمة ليخدعوا بها امعاءهم الفارغة.. انهم يخلطون بقايا الخبز المجفف بنشارة الخشب ليضاعفوا حجم الوجبة اليومية التافهة!!! وتفاقمت المجاعة التي اضطر البحارة الى التهام الجلود التي تكسو عوارض الصواري.. كما تنبأ بذلك ماجلان نفسه!!! وكتب احد البحارة في مذكراته يقول: ''لقد انتهى بنا الامر كيلا نموت من الجوع الى التهام قطع الجلد التي تكسو عوارض الصارية الكبيرة لتحمي الحبال من التمزق.. وقطع الجلد هذه معرضة منذ سنة كاملة للمطر والشمس والريح.. ولهذا اصبحت جافة فاضطررنا الى وضعها في الماء لتلين ثم طبخناها على النار واكلناها.. ولا غرابة ان يعجز اولئك البحارة عن احتمال كل ذلك الحرمان فقد ظهرت عليهم اعراض فساد الدم وبدأت اسنانهم تقع.. وامتلأت افواههم بالقروح.. واصبحوا لا يقوون على ازدراد الطعام.
حين وقعت اسنان البحارة جوعا
ومات كثيرون منهم في عذاب اليم.. واما الذين لبثوا على قيد الحياة فقد انهك الجوع قواهم وهم يتحركون في السفن متوكئين على عصيهم ثم يستلقون قابعين في زوايا السفن!! واخيراً وفي بداية شهر آذار من عام (1521) أي بعد مرور مائة يوم على خروج السفن من مضيق ماجلان وانطلاقها في عرض البحر سُمع من جديد ''الارض الارض''.. وكان البحارة على آخر رمق.. ولو مضى يومان او ثلاثة لما وجد الناس فيما بعد اثراً لذلك العمل العظيم، ولكانت السفن التي تحولت الى مقابر متحركة قد اختفت بين العواصف او ارتطمت بالشاطىء وتحطمت!! ان في هذه الارض سكاناً والحمد لله.. سيجد فيها البحارة ما يروون به ظمأهم وما كادت السفن تقترب من خليج على الشاطىء حتى اسرعت نحوها زوارق ملونة صغيرة مارقة كالسهام ناشرة قلوعها المصنوعة من اوراق النخيل المحبوك. وخرج منها ركابها الزنوج العراة وتسلقوا جوانب السفن خفافاً مثل القرود!! وما مرت لحظات حتى كانت اشياء كثيرة قد اختفت مثل زورق السفينة (ترينيداد) الذي قطعت حباله وسُرق!!! ولم يخطر ببال اولئك الزنوج سكان الجزر ان ما اقدموا عليه هو عمل غير مشروع!! بل كانوا يضحكون وكأنه أمر طبيعي جداً!! كما ان الاسبانيين والبابا والامبراطور رأوا اعلان ملكيتهم للجزر المجهولة بما فيها من سكان وحيوان امراً طبيعياً كذلك!! وهكذا فقد كان ماجلان يبحث عن جزر (ملوك) فإذا به يكتشف جزر (الفلبين) ليضيف الى اسبانيا ارضاً جديدة يقتل فيها اثناء صراعه وقتاله مع رجال قبائل هذه الجزر البدائية جداً.
الأحد يونيو 07, 2009 7:23 pm