إذا طلب من أي شخص في العالم أن يعدد الخمسة الكبار في أدب أمريكا اللاتينية وتجاوز عن ذكر ذلك الساحر البرازيلي، فهو بحاجة لأن يعيد القراءة من جديد فهو لم يتعرف على شيء من أدب ذلك العالم، هو بخلاف ماركيز وفوانتس ويوسا وكورتاثار وبورخيس يكتب بالبرتغالية وليس الأسبانية، ولكنه يغوص مثلهم في العمق السحري لبلاد صاخبة وغامضة، وهو أيضا الوحيد الذي أعطى نفسه للبحر دون تحفظات، فمن شواطئ باهيا مدينته الأولى كان البحر يمثل الأفق الذي ينظر من خلاله إلى المستقبل. عندما نشرت روايته الأولى بلاد الكرنفال سنة 1931 كان أمادو في الثانية والعشرين من عمره، ولكن الفلسفة التي شهرها في وجهة تسعة عشر قرنا من التقاليد الصارمة كانت تنم عن شاب يحمل في داخله حكمة دهرية، وهو يناقش أزمة ذلك العالم المشتت بين أوروبا بأزماتها والبرازيل ببكارتها، والزمن الذي بقي متوقفا على تلك الشواطئ دون أن يلتفت إلى ذلك العمق الأمازوني وظل معلقا مثل بندول ساعة لا تكل، أتت بلاد الكرنفال لتعلن عن أمادو الذي يجيد لغة البحر والغابة. درس أمادو القانون في ريو دي جانيرو ولكنه لم يعمل في المحاماة أبدا، وانصرف إلى الصحافة مع مجموعة من المثقفين المتمردين، وظهرت ميوله اليسارية التي جعلته يلتفت إلى المسحوقين من الزنوج والملونين في المجتمع البرازيلي ويقترب من حياة الفاشلين والمحطمين بصورة رائعة في رواية مثل ''عودة البحار'' و''عرق''، ونتيجة لانخراطه الجبهة الشعبية البرازيلية تعرض أمادو للنفي في بداية الأربعينيات وحرقت رواياته ومنعت في بلاده، ولكنه حصل على العفو سنة 1945 ليعود وينصرف للتأليف الروائي. حصل أمادو على تكريم واسع في الاتحاد السوفييتي حيث حصل على جائزة ستالين، وبسبب هذه الجائزة طالما فسر تجاهله من جائزة نوبل التي كان يستحقها عن جدارة، ولكن هذا الوضع لم يقلقه، فهو كان يكتب ليحقق المتعة باسم الناس ولأجلهم، وكان مكتفيا بذلك، لم يحاول أن يمد الجسور إلى أوروبا وبقي يبحث في كنوز البرازيل الشفهية وأسرارها ويقتنص من هموم الناس أفكاره الكبيرة التي كانت تنساب على طريقة الحكائين أحيانا في ثرثرة تحاول أن تختزل كل مفردات الحياة من حوله، وفي أحيان أخرى كان يتقمص الإنسان البرازيلي الفقير ويحاول أن يتحدث بوعيه إلى العالم ويوصل الرسائل الاحتجاجية في الغالب على الظلم والديكتاتورية. توفي أمادو سنة 2001 وهو على مشارف التسعين، ولكنه احتفظ حتى أيامه الأخيرة بابتسامته الشهيرة التي أعلنت رضاه عن كل الفوضى الجميلة التي ارتكبها في حياته وأحلامه.