موضوع: قرأت لك - دكتور جايكل ومستر هايد الأربعاء فبراير 18, 2009 4:21 pm
قرأت لك - دكتور جايكل ومستر هايد
انها قصة معروفة دخلت في ادبيات الثقافة والاجتماع وعلم النفس في العالم كله وهي تحكي عن الانفصام الشخصي في حياة الدكتور جايكل الطبيب الانساني نهارا وشخصيته الثانية الاخرى وهي القاتل والسفاح ليلا!!! وقد دخلت رواية (القضية الغربية للدكتور جايكل ومستر هايد) التاريخ منذ ان صدرت طبعتها الاولى عام 1886 في بريطانيا اذ تتالت طبعاتها في معظم لغات العالم حتى تجاوزت المئات خلال ما يزيد على قرن ونصف القرن وتحولت هذه القصة او الرواية الى عشرات الافلام السينمائية.. فضلا عن مئات اخرى استوحاها صناعها من المحور الأساسي الذي تدور حوله وهو امتزاج الخير والشر معا في نفس الانسان الواحد.. ودعمت اكتشافات علم النفس الحديث حول الشخصية الفصامية المريضة بازدواج الشخصية.. ومؤلف هذه الرواية هو (روبرت ستيفنسن) الروائي والشاعر وكاتب المقالات البريطاني المولد والذي له روايات اخرى عالمية شهيرة مثل رواية (جزيرة الكنز). ومن اجواء هذه الرواية الغريبة والتي تخلو من المتعة المفزعة والترقب.. نسرد هنا بعضا منها وعلى لسان الدكتور جايكل بطل هذه القصة التي تشير الى الشيزوفراينا: ''كان الناس فيما مضى يستأجرون القتلة لاقتراف الجرائم نيابة عنهم، بينما تقبع شخصيتهم وسمعتهم في مأمن خفي كنت أنا اول من اقدم على الجريمة ارضاء لمتعه الخاصة.. وهكذا كنت اول شخص بمقدروه ان يملأ أعين الناس مختالا ومثقلا بسخي التبجيل وفي لحظة كمثل صبي في مدرسة افرق هذه الاواصر المستعارة وانطلق قدما لأخوض بحر الحرية. اما بالنسبة اليّ في اهابي الذي لا سبيل لاختراقه فكان الامان مطلقا.. فكر بي - لم اكن موجودا قط!! لم يبق لي سوى الفرار الى باب مختبري، فأمنحني ثانية او ثانيتين كي امزج وابتلع ذاك الشراب الذي ابقيه على الدوام جاهزا.. فكان ادوارد هايد مهما كانت الافعال التي اقترفها يتلاشى كمثل أثر الانفاس على مرآة، وهناك في مكانه السالف هادئا في البيت مؤرجحا فانوس منتصف الليل في حجرة دراساته سيكون رجلا لن يتمالك نفسه من الضحك اذا ساورته الشكوك، هذا الرجل هو هنري جايكل. واللذات التي استعجلت نيلها وأنا متنكر كما اسلفت كانت مخزية، وقلما استخدمت عبارة اقسى من هذه.. لكن هذه اللذات بين يدي ادوارد هايد ما لبثت تنقلب انقلابا وحشيا، وكلما عدت ادراجي من هذه النزهات كنت اتعذب غالب الاحايين، وفي نوع من الاستغراب ازاء فساد طبع اتجشمه عن سواي. هذا الشخص الاليف الذي اناديه من قرارة روحي، واطلقه بمفرده كي يستمتع بلذائذه الخيرة، كان مخلوقا حقودا بطبعه، مؤذيا وشريرا بالفطرة، فكل فعل من فعاله وكل فكرة من افكاره تتمركز حول أناه، ينهل الملذات في نهم وحشي متنقلا من آية درجة للعذاب الى اخرى، لا يكل كرجل قد من حجر، واحيانا كان هنري جايكل يلبث مشدوها امام افعال ادوارد هايدن لكن موقفه كان مفصولا عن القوانين الاعتيادية مما ارخى قبضة ضميره، ارخاء خبيثا كان هايد بعد كل ما جرى، وهايد وحده هو المذنب، لم ينل جايكل أي سوء، فقد استفاق من جديد، مستردا خصاله الحميدة التي يبدو ان الوهن لم يصبها.. فتراه يسعى على عجل اذا ما تسنى له كي يمحو الشر الذي يقرفه هايد. وهكذا يرتاح ضميره ويغفو. لا مخطط لدي للدخول في تفاصيل هذا العار الذي غضضت الطرف عنه هكذا (لأنني حتى الآن اكاد لا اقوى على تصديق انني اقترفته). لكنني اريد ان ابيّن المحاذير والخطوات التالية التي دنوت بها من بليتي.. جرى معي حادث سأذكره سريعا لأنه لم يرجع عليّ بأية عاقبة.. كان فعلا شنيعا بحق طفلة استنهض ضدي أحد العابرين تعرفت في شخصه اليوم التالي على قرينك، وانضم اليه الطبيب وذوو الطفلة ومرت لحظات خشيت فيها على حياتي، وفي نهاية المطاف في مسعاه كي يهدئ من سخطهم المصيب كل الصواب، كان على ادوارد هايد ان يصحبهم الى الباب ويسدد لهم صكا مسحوبا باسم هنري جايكل، لكن ما اهون ازالة هذا الخطر في المستقبل من خلال فتح حساب في مصرف آخر باسم ادوارد هايد نفسه، ولما زودت قريني بامضاء خاص به عبر امالة يدي الى الخلف ظننت اني سأتوارى بمنأى عن يد القدر. قبل مصرع سير دانفرز بحوالي شهرين كنت خارجا في واحدة من مغامراتي. عدت في ساعة متأخرة، واستفقت اليوم التالي في السرير تخامرني أحاسيس غريبة قليلا.. عبثا تلفت ناظرا حولي عبثا استطلعت الاثاث الفاخر ورحابة غرفتي المطلة على الساحة.. عبثا تعرفت الى تصميم ستائر السرير ورسوم اطاره المقدود من خشب الماهوغاني، كان ثمة شيء ما فتئ ملازما لي يلج بأنني لم اكن حيث اعتدت، ولم استيقظ حيث يفترض بي الاستيقاظ، فقد وجدتني في الغرفة الصغيرة في سوهو حيث اعتدت على النوم في جسد ادوارد!! ابتسمت لنفسي وجريا على طريقتي في التحليل النفسي شرعت متكاسلا استفسر وانقب عن عناصر هذا الوهم، واحيانا حتى عند قيامي بهذا يغشاني من جديد وسن صباحي مفعم بالطمانينة.. كنت ما ازال ساهيا عندما في واحدة من لحظاتي الأشد تيقظا وقعت عيني على يديّ.. والآن كانت يد هنري جايكل في حجمها وشكلها (كما لاحظت مرارا) هي يد طبيب يتقن مهنته، يد كبيرة متينة بيضاء وجميلة.. اما هذه اليد التي اراها الآن فواضحة بما فيه الكفاية تحت الضياء، الاصفر الباهت للصباح في وسط لندن.. راقدة في نصف اطباقة على ملاءات السرير، فكانت ملتوية مفتولة بارزة البراجم ذات لون غسقي شاحب يغطيها ظل كثيف من شعر داكن وافر النمو.. كانت يد ادوارد هايد. ولا بد اني ما برحت احدق باليد قرابة نصف دقيقة غارقا في حالة خالصة من الذهول الاخرق، قبل ان يستيقظ الذعر في حناياي مباغتا ومروعا كقرع الصنوج، ولما وثبت من سريري هرعت الى المرآة لمرأى ما لاقته عيناي استحال دمي شيئا متجمدا ورقيقا رقة الجليد.. بلى لقد اويت الى الفراش وأنا هنري جايكل فاذا بي استيقظ وأنا ادوارد هايد!! كيف لي ان افسر هذا؟! سألت نفسي ثم في وثبة ذعر اخرى - كيف سأعالجه؟! كان قد انقضى شطر من الصباح فاستفاق الخدم وكل عقاقيري في غرفة المكتب - مما يستلزم رحلة طويلة تبتدئ من حيث كنت واقفا حينذاك والهلع باد عليّ، فأهبط سلمين من الادراج قاطعا الممر الخلفي عبر الفناء المفتوح لأجتاز مسرح التشريح، وفي الواقع كان بوسعي ان اغطي وجهي، لكن ما الجدوى ما دمت عاجزا عن اخفاء التبدل الذي اصاب قامتي وعندئذ تنفست الصعداء ارتياحا فقد تذكرت ان الخدم قد اعتادوا من قبل على شخصي الثاني في جيئه ورواحه.