المكانة التي يحتلها هذا القاص في الأدب الفرنسي يمكن أن توضع بمحاذاة تلك التي يشغلها أنطون تشيخوف في الأدب الروسي، والاثنين يعدان من الرواد الذين مهدوا للقصة القصيرة التي شهدت تطورا هائلا في القرن العشرين، مع أسبقية موبسان في ارتياد ذلك المجهول الذي يسمونه الإنسان، حيث أصبحت عينيه الحادتين بمثابة المرصد اللتين تلتقطان لحظات الضعف والحزن وكل المشاعر المتناقضة التي تأخذ الناس في غفلة منهم لتضعهم في مواجهة التجربة الحياتية التي كثيرا ما تمارس القهر عليهم، ومن تجربة القهر وفعل المقاومة بدأ وعي موبسان في التفتح على الحياة في بيئة لا يمكن أن توصف بالصحية، فمنذ اللحظة الأولى مثل والديه معادلة القهر المقاومة في المنزل المضطرب الذي كان يهوي إلى الحضيض تحت وطأة نزوات الأب وطيشه. ولد موبسان سنة 1850 في منطقة النورماندي، وشهدت حياته ميلا لوالدته القريبة من أجواء الفن والفكر في مواجهة والده الذي بدد ثروة طائلة، وصارعت الأم من أجل توفير بعض المال لإبنها ليلتحق بدراسة القانون في باريس حيث بدأت علاقته بالكاتب الفرنسي الكبير جوستاف فلوبير الذي ترك بصماته في شخصية موبسان وأسلوبه في الكتابة، ولكن التحول الجوهري في حياته عند التحاقه بالجيش الفرنسي حيث استطاع أن يتعرف على حياة جديدة على مقربة من أوروبا المشتعلة في ذلك الوقت بحروبها الصغيرة التي أودت بها لاحقا في أتون حربين عالميتين في القرن العشرين، وعمل بعد ذلك كاتبا في سلاح البحرية وألتحق أيضا بحلقة الأديب الفرنسي إميل زولا. يتميز أسلوبه بتتبع الحزن البشري ويخيم التشاؤم على قصصه التي تنضح أحيانا بالعجز الإنساني في مواجهة التعسف والاستبداد، كما يتضح الوعي بالناس والأشياء، وتتسم أعماله بصرامة البناء والتركيز على تقنية السرد، ويعتبر رائدا في تقنية القصة داخل القصة التي جعلته يقف مع القارئ في زاوية واحدة أو متواطئة للرؤية، وهو أيضا شاعر لم يكتمل مشروعه حيث تلاءمت أجواء القصة القصيرة مع طبيعته. بعد صراع طويل مع الصداع والمرض وصل موبسان إلى محطة الجنون سنة 1891 قبل أن يتوفي بعد ذلك بعامين في أحد المصحات العقلية، تاركا وراءه العديد من الأعمال المهمة مثل ''كرة الشحم'' و''العقد'' التي تعد من أكثر القصص القصيرة تأثيرا في تاريخ هذا الفن، ويصفها البعض بالقصة المكتملة أو الأكثر اكتمالا.