موضوع: الغش في الإمتحانات .. خطر على الآخرين السبت يناير 24, 2009 12:25 pm
الغش في الامتحانات.. خطر على الآخرين
بسمة عزبي فريحات - الغش في الإمتحانات لا يثير انفعالا، فهو لا يعدو شقاوة طلاب أو رأفة مراقبين أو حرص أولياء أمور على نجاح أبنائهم، وهذا جزء من الخلل الذى أصاب الضمير العام فأصبح لا يستنكر بعض الظواهر الإجتماعية مثل الرشوة أو الغش في الإمتحان ، وحتى لو تحدث عنها فإنه يتحدث عنها كأمر واقع لا مفر منه، وأن هناك أشياء أهم وأخطر جديرة بالحديث عنها. والغش في الإمتحانات تكمن خطورته في أنه التجربة الأولى للغش في الحياة، لذلك فهو البذرة الأولى لكل أنواع الغش في أي مجتمع مثل التزوير في الأوراق الرسمية، وانتحال الشخصيات، والخداع في الخطبة والزواج، وتقديم ضمانات وهمية للبنوك للحصول على قروض، وتزويرالإنتخابات ، واغتصاب حقوق الشعوب، إلى آخر ذلك من الجرائم التى تنتمي في بداياتها إلى استحلال الغش في الإمتحانات من الطالب ومن المراقب والمجتمع . من يقوم بفعل الغش طمّاع، فهو الذي يريد أن يأخذ أكثر مما يستحق وأكثر مما تسمح به قدراته، ومن يقوم بفعل الغش لص فهو يسلب الآخرين ممتلكاتهم وحقوقهم، الفكرية في هذه الحالة، ومن يقوم بفعل الغش مغامر، فهو يجد في الغش نوعا من المغامرة والمخاطرة يسعد بها لأنها خروج عن المألوف يعني شعورا بالقدرة على الأعمال الإستثنائية وعلى اختراق الحواجز، ومن يقوم بفعل الغش متمرد، فالغش هنا خروج على السلطة ، المدرسية أو الإجتماعية أو السياسية، وكسر لقوانينها وخداع لها، وكل هذا يعطي الإحساس بكسر سلطة المدرس والمدرسة والمجتمع والحكومة . ومن يقوم بفعل الغش لا يحترم نظم وقوانين المجتمع ويعيش لرغباته ومكاسبه ولا يتعلم من أخطائه، وهو سلبي إعتمادي فهو لا يحب أن يتعب أو يجتهد في تحصيل العلم، ولكنه يعتمد دائما على جهود الآخرين ومساندتهم . ومن يقوم بفعل الغش إنتهازي، فهو ربما لايمارس سلوك الغش طوال الوقت ولكنه على استعداد في ظروف معينة أن يغير قيمه ومبادئه إذا وجد أن هذا سيحقق مصالحه في ظرف ما. أما من يتطوع بإعطاء معلومات للآخرين أثناء الإمتحانات فيمكن أن يكون فاقد الثقة بنفسه، لذلك يريد أن يثبت للآخرين أنه يعرف ما لا يعرفونه وأن باستطاعته تقديم العون لهم ، ويمكن أن يكون متسولا للحب ، فهو شخص يفتقد الحب من الناس ، أو على الأقل يشعر بذلك، لذلك فهو يتطوع لخدمتهم استجداءا لحبهم واهتمامهم ، ويمكن أن يكون صاحب مروءة كاذبة ذلك الذي يتخيل أن مساعدة الزملاء والأصدقاء في الإمتحان نوع من المروءة والشهامة والإيثار. أمّا من يرضى بالغش فيمكن أن يكون مشوه أخلاقيا اختلطت لديه الأمور فلم يعد يرى في الغش أي مشكلة بل بالعكس ربما يراه نوعا من الرأفة والرحمة للطالب ولأسرته وخدمة للمجتمع بأن ينجح أكبر عدد من الطلاب ، ويمكن أن يكون المجامل ، الذي ربما لا يرغب في تسهيل الغش ولكنه يحب المجاملات ويضعف أمامها فلا يستطيع أن يقول لا لمن يطلب منه شيئا ، ويمكن أن يكون السلبي المستسلم الضعيف ، الذي لا يستطيع أن يقول لا رغم رفضه الداخلي لهذا الأمر ومعرفته بعدم مشروعيته إلا أنه يؤثر السلامة ويتجنب المواجهة ويترك الأمور تسير كما يريد الآخرون ، ويمكن أن يكون ذلك الذى يحقق منافع من وراء تسهيل الغش سواء كانت مكاسب مادية أو وظيفية أو اجتماعية أو غيرها، وهو في سبيل ذلك يتجاهل النظم والقوانين والقيم لأنه منذ البداية لا يحترمها ويعتبرها قيودا غير منطقية على سلوكه. أما المجتمع الذي ينتشر فيه الغش فهو مجتمع سقطت فيه قيم كثيرة أهمها الصدق والعدالة واحترام العمل الجاد وجعله وسيلة للإرتقاء في السلم العلمي والمهني والإجتماعي ، وهو مجتمع أصبح ضميره العام معتلا فأصبح لا يستنكر مثل هذه الظواهر بل يراها أمورا بسيطة لا تستدعي القلق والإستنفار وأنها مجرد شقاوة طلاب لا تستدعي أكثر من التنبيه أو الزجر اللطيف في أصعب الأحوال، وهو مجتمع يقبل الرشوة ويقبل الكذب ويقبل تزوير الأوراق الرسمية وتزوير الإنتخابات وتلفيق القضايا وتشويه سمعة الناس، وهو مجتمع لم يعد للمصلحين فيه صوت مسموع، بل علا فيه الباطل وتوحّش وأصبح يفرض قيمه وموازينه بلا حرج أو خجل. والطالب حين يمارس الغش منذ صغره إنما يتعلم هذا السلوك بكل تفاصيله، وفي كل عام يتفنن في وسائل جديدة للغش، مما يكسبه مهارات تتراكم معه مع الزمن حتى إذا كبر يخدع الناس ويسطو على حقوقهم دون أن يتمكنوا من فضحه أو إيقافه عن ذلك لأنه يكون مسلحا بقدرات غير عادية اكتسبها على مدار السنين من خبرات الغش المدرسي والغش الحياتي، وربما يصل هذا الغشاش الذكي الطمّاع المحترف إلى مناصب قيادية تمكنه من نشر قيمه ومفاهيمه على مستوى أوسع في المجتمع، وبهذا يهيء وجود قواعد أخلاقية فاسدة تحتمي بقشرة زائفة من الأخلاق الواهية يخدع بها الآخرين . ومع تزايد أعداد الغشّاشين في مواقع مختلفة نجد أن المجتمع يصبح مخترقا ومهلهلا وقائما على أخلاق نفعية انتهازية غير أخلاقية، وربما يكون التبرير لهذا التدهور الأخلاقي أن الحياة العصرية تستلزم المرونة والتعامل بواقعية وأن ما دون ذلك هو المثالية الرومانسية التى لا تصلح للحياة اليومية بتعقيداتها، وهكذا يتدهور الميزان الأخلاقي للمجتمع ككل تحت دعوى الأمر الواقع الذي فرضته مجموعة من الغشّاشين الذين سكت عن غشهم المجتمع أو تواطأ معهم فيه، وفي المقابل نجد المكافحين والجادّين والصادقين يكابدون مصاعب جمّة حيث أصبحت المنظومة الإجتماعية في صالح الكذّابين والمنافقين والمخادعين واللصوص ومن يدور في فلكهم أو ينتفع منهم، وبهذا تسقط أو تضعف مع الوقت تلك الرابطة المقدسة بين العمل وقيمة العائد، فتنتشر قيم النفاق والخداع . الغش يفرخ لنا كل يوم فاسدين محترفين يهددون قيم المجتمع ويشوهون فطرته مما يوجب محاربته .