موضوع: حضارة الدولمنز (Dolmens) في لواء الكورة الأحد يوليو 20, 2008 11:48 am
حضارة الدولمنز (Dolmens) في لواء الكورة
طارق بني ياسين - ظاهرة حضارية غريبة وطاولات حجرية ضخمة لم يترك الذين انشأوها نقشا أو علامة واحدة عليها، تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها، منتشرة في العديد من مناطق الأردن لكنها متميزة في أشكالها وكثرة تواجدها على سفوح تلال قرى وبلدات محافظة اربد فقد حملت العديد من التسميات المحلية فمنهم من أطلق عليها القلاع المتراكبة ومنهم من أسماها التصاريف ومنهم من أسماها أيضا بيت الغوله ومنهم من أطلق عليها اسم النصب التذكارية. ولا شك أن هذه التسميات لم تأت من فراغ فلا بد أنها تحمل قصصا وحكايات لدى السكان المحليين الذين نشأوا على هذه الأرض ووجدوها أمام أعينهم بهذه الوضعية التي لايعرفون أسرارها والغاية التي بنيت من أجلها، فمنهم من حلل وجودها بأنها عبارة عن إشارات للاتصال فيما بينهم ومنهم من قال بأنها أقيمت كمذابح خاصة يذبح عليها فوق الطاولة كشعائر دينية يتقربون بها إلى الله ومنهم من قال عنها بأنها مدافن وبعضهم ربطها بالديانات القديمة أمثال العالم الانجليزي (رايت ) الذي حاول ربطها بأناس ورد ذكرهم في التوراة أو ما يذكر بجيل العمالقة أو الزمزميين الذين تواجدوا في السعودية والأردن وغير ذلك من التكهنات والمقترحات حول وظيفة هذه الأنصاب الحجرية. الحجارة المكتشفة لم تنشأ عبثا ولم يقدم الذين انشأوها على تركيبها بهذه الصورة دون سببا، لذلك فقد استهوت عددا من علماء الآثار في البحث والتنقيب في أسرارها ومعرفة العمر الزمني لها، والذين بحثوا في هذه الظاهرة الدكتور زيدان كفافي أستاذ علم الآثار في كلية الآثار بجامعة اليرموك الذي قدم بحثا عنها في العام (2005) ضمن فعاليات الملتقى التراثي البيئي الأول في لواء الكورة وقد يكون البحث الأول الذي يشير إلى تلك الظاهرة بالصورة التي قدمها، حيث قام وكما أشار بدراسة متعمقة هو والسفير الهولندي في عمان هابوس سكا لتيما عام 2004 أكدا على أن تاريخ الدولمنز يعود إلى بداية العصر البرونزي المبكر 3500ق م. وقد أجريا مسحا لمعظم حقول الدولمنز المتواجدة في الأردن وتحديد أماكنها، وقد بينا ستة أشكال للدولمنز، حيث أشارا إلى أن حجارة الدولمنز التي بنيت في كل من الجولان وطبريا على سبيل المثال تختلف في تصميمها عن تلك التي بنيت في مناطق اربد، وكذلك حال التي بنيت في منطقة داميا والتي تختلف عنها جميعا في شكلها وتصميمها. هذا وقد حددت دائرة الآثار العامة 101 موقعا من حقول الدولمنز المنتشرة في الأردن، ويعتبر لواء الكورة من أهم المناطق التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، فنجدها في كل من جنين الصفا وشعب الدخان شرق دير أبي سعيد وحوض الديري والحاجزة في كفر الماء وخلة الخرفيش في جفين ودير قيقوب وخربة منوه إلى الغرب من الأشرفية وكفرعوان وكفرابيل، فهي متعددة الأحجام والأشكال، فعلى سبيل المثال أشكال الدولمنز الموجودة في كل من دير أبي سعيد وحوض الديري في كفرالما وجفين أحادية الحجرات تميزها ضخامة حجارتها المستخدمة من الصخر الناري، بينما أنها في خربة منوه ثنائية الحجرات وبنيت من قطع حجارة الصوان المصطحه، لكنها أقل حجمها من تلك التي في كفر الماء وهي شبيهة بأشكال النصب الموجودة على طريق البترول وهام وجحفية وبيت يافا وناطفة. ويقول الدكتور كفافي أن مداخل الدولمنز بنيت حسب طبيعة الأرض وجيولوجيتها وعادة ماتكون باتجاه الوادي، وهو ما دحض به نظرية بعض الذين أشاروا إلى أنها بنيت باتجاه الشمس، كما أنه دحض أيضا الفكرة السائدة بين بعض المهتمين بأنها كانت عبارة عن مدافن كونه لم يعثر تحتها أو بداخلها على أية آثار لعظام بشرية ترجح ذلك الرأي، علما بان الدكتور خير ياسين عثر على بعض الفخاريات الكاملة في إحداها تعود إلى العصر البرونزي المبكر. علماء الآثار الذين بحثوا في هذه الظاهرة أيضا وحاولوا الكشف عن حقيقتها آريو منجل الذي زار المغيرات في مأدبا ودامية وأجرى بعض التنقيبات هناك، كذلك العالم شوماخر زار المنطقة في نهاية القرن التاسع عشر وعمل حفرية في منطقة راسون تحديدا في عام 1889م وكتب عن تلك الظاهرة، وكذلك قامت مجموعة من الفرنسيسكان بزيارة العظيمة ووادي حسبان وأجرت حفرية هناك عام 1930 كما أن العالم تكليس عمل هناك أيضا عام 1935. وقد حاول الدكتور العراقي سعد أيوب من جامعة اليرموك عمل دراسة للمنطقة عن تلك الظاهرة وبشكل خاص في بلدة زحر لكنه غادر الأردن دون أن ينشر عن نتائج أعماله شيئا، ويقول الدكتور كفافي أن الأردن من أكثر المناطق تأثرا بهذه الظاهرة، علما بان تواجد الدولمنز في محيط حفرة الانهدام يبدأ من شمال سوريا حتى معان جنوب الأردن وان وجدت في مناطق أخرى مثل لبنان والسعودية والبحرين واليمن وشمال وجنوب أفريقيا وكذلك بريطانيا، حيث اهتم البريطانيون بهذه النصب التي أطلقوا عليها ستون هينجز وعملوا قصة كبيرة من حقل صغير موجود هناك يدر عليهم دخلا عاليا من المال لقاء ما يجنونه من مرتاديه من السياح، وقد كان من ضمن أهم المواقع التاريخية المشهورة على مستوى العالم التي نافست بان تكون إحدى عجائب الدنيا السبعة لعام 2007 . أن حقول الدولمنز الموجودة في لواء الكورة تشكل ثروة أثرية واقتصادية هامة قلما تتوافر في مناطق أخرى، وقد تكشف لنا الأيام اللاحقة أسرارا جديدة عنها مادام هناك من يبحث ويفكر بها، كما يمكن وضعها على خارطة اللواء السياحية كأبرز المعالم الموجودة فيه.