متحف دار السرايا .. تحفة معمارية تروي حقبا تاريخية
كاتب الموضوع
رسالة
البلد : نقاط : 200490 تاريخ التسجيل : 01/01/1970
موضوع: متحف دار السرايا .. تحفة معمارية تروي حقبا تاريخية الأحد يوليو 20, 2008 11:43 am
متحف دار السرايا.. تحفــة معماريــة تروي حقبــا تاريخيـــة
فريال بني عيسى - على الطرف الجنوبي الغربي من تل اربد الأثري المؤرخ إلى (3200ق.م)، تستوقفك تحفة معمارية ذات جمالية خاصة وصبغة فنية متميزة، تختلف عن نمط البناء السائد في وقتنا الحاضر تدعى ( دار السرايا العثماني )،هذه التحفة التي أنشئت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في سنة (1886م ، 1304هجري) كما في النقش العثماني الذي يعلو البوابة الرئيسية للمبنى. وقد أنشئ هذا البناء بداية ليكون مقر إقامة للحاكم العثماني في المنطقة، الذي استخدم الطابق الأرضي كإسطبل للخيول في حين ترك الطابق الثاني للشؤون الإدارية والنوم والاستقبال، لكن مع انتهاء العهد العثماني وبالتحديد إبان إمارة شرق الأردن أعيد استخدام البناء كمقر للحكومة والجند، أما في خمسينيات القرن الماضي فقد وظف هذا المبنى كسجن من قبل مديرية الأمن العام وبقي كذلك حتى عام (1994) إلى أن أستملك من قبل دائرة الآثار العامة بغرض تحويل البناء إلى متحف بعد إخضاعه لعمليات الصيانة والترميم والتي تأتي كأمر ضروري وبدوافع موضوعية من أجل تهيئته للوظيفة الجديدة التي ستسند إليه. وما إن تطأ بقدمك عتبة هذا المتحف لتستقبلك عوالم غارقة في الصمت تفتح لك ذراعيها وتصطحبك برحلة عبر آلة الزمن لتقرأ وتكتشف معثورات من عاش وعمل وأنجز وتستوقفك حياة ذلك الإنسان بفنونه وجنونه، لتجد نفسك أمام انسجام متكامل ما بين المكان والمقتنيات، ما بين العمارة الداخلية والخارجية للمتحف وبين التحف المعروضة ليتحول المكان إلى لوحة فنية متكاملة. وها هو المتحف بقاعاته السبعة يخاطب زواره من خلال أساليب متنوعة كانت اولهما النفائس والمقتنيات الأثرية النادرة والتي عبرت عن الحضارات والأمم التي عاشت على أرضنا وذلك ضمن تسلسل تاريخي منظم، وقد ساعد على ذلك غنى مدينة اربد الأثري، إذ لا تكاد تخلو مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني إلا وتجد ما يمثلها من مواقع وخرب أثرية داخل المحافظة، هذا وقد ظهرت المعروضات ضمن نوعين من خزائن العرض الأولى عبارة عن خزائن عرض زجاجية كبيرة الحجم مزودة برفوف زجاجية ، أما الثانية فكانت خزائن مسطحة زجاجية على شكل طاولة خصصت لعرض القطع صغيرة الحجم مثل الأختام والجعارين والمجوهرات والعملات وغيرها. أما أسلوب العرض الآخر فكان بواسطة اللوحات الإيضاحية كبيرة الحجم التي توفر المزيد من المعلومات ذات الأبعاد المعرفية حول التاريخ والآثار، كما وتقدم تفسيرات للكثير من المعروضات بصورة أكثر عمق وشمولية. من قاعاته السبعة خصصت ثلاث قاعات لمناقشة تسلسل الحقب التاريخية، لتضعك أمام رحلة تقتفي من خلالها أثار الإنسان منذ العصور الحجرية الأولى، منذ أن طوع الحجر لغايات الاستعمال فبدت أدواتهم ثقيلة وطولية ثم طورها بصورة أكثر حرفية من قبل بعد أن شذبها وتضاءل حجمها مع نهاية العصر الحجري القديم ثم تنتقل بنا الجولة من خلال روائع المعروضات لتعكس حالة الاستقرار التي عاشها الإنسان في فترة العصر الحجري الانتقالي، وتستمر الجولة باستعراض التطورات التي شهدها الإنسان في العصور اللاحقة كما في المكتشفات التي ظهرت في طبقة البومة والمؤرخة للعصر الحجري الحديث والتي جاءت لتدل على فائض الإنتاج الزراعي وتنوعه إلى أن تصل بنا إلى منجزات إنسان العصر الحجري النحاسي، ومع نهاية هذا العصر تبدأ المعروضات تأخذ أشكالا أكثر تنوع واختلافا من خلال التعرض لأدوات العصر البرونزي (عصر نشوء المدن)، إذ ظهرت الأدوات الفخارية المصنعة على عجلة إلى جانب الأدوات البرونزية كالخناجر ورؤوس الفؤوس وأنتجت أشكالا جديدة من الأدوات الفخارية بلونين اسمر داكن فوق خلفية فاتحة كما في فترة البرونزي المتوسط، هذا وقد ظهرت الأدوات المطعمة بالعاج كتلك التي عثر عليها في طبقة فحل والتي تؤرخ للعصر البرونزي المتأخر، وتستمر المعروضات بنقل هذا التسلسل حتى تصل بنا إلى العصر الذي استخدم فيه عنصر الحديد ليحل محل البرونز ويعرض أدوات من اربد وطبقة فحل.ومع نهاية العصر الحديدي تنتهي قاعة العصور القديمة لتبدأ بعدها الفترات الكلاسيكية والتي ترجمت بمعروضات من مواقع مختلفة من محافظة اربد أذكر منها طبقة فحل،قليعات، وقاص، قويلبة، أم قيس، بيت راس ، الدجنية، كفر سوم، سال ، خربة الدوير، اربد ، واليصيلة. وقد أغنت المتحف بالعديد من القطع الفريدة التي تعكس منجزات وحضارة الإنسان آنذاك ابتداءً من العصر الهلنستي مرورا بالروماني وانتهاء بالبيزنطي، فقد ظهرت المعروضات المتأثرة بالحضارة الهلنستية كالامفورات الفخارية مختلفة الأحجام والأشكال ومما يلفت الانتباه الإبريق الفخاري المكتشف من طبقة فحل الذي يتوسط خزانة العرض الهلنستي المصنوع بحرفية عالية وقد بدا مزخرفا برسومات ذات خصوصية ومخطط باللون البني على خلفية كرمية ، ثم ينتقل بك العرض للفترة الرومانية من خلال الرسوم الجدارية التي صورت أشكالاً ادامية إلى جانب الأدوات الفخارية والدمى الطينية والتماثيل البرونزية كتمثال أوغاريت الذي عثر عليه في موقع اليصيله. لتصل أخيرا إلى حالة الرخاء التي عاشها إنسان العصر البيزنطي من خلال استعراض لمخلفاتهم من الأدوات الزجاجية والاسرجة وحاملات الاسرجة البرونزية التي كانت تعلق داخل الكنائس، ومع نهاية هذا العصر تبدأ مرحلة أخرى من مراحل التاريخ الإنساني بدخول هذه المنطقة تحت الحكم الإسلامي من خلال التعرض لمخلفاتهم من مناطق مختلفة من المحافظة على رأسها اربد، طبقة فحل، بيت راس، جنين الصفا، قويلبة ، وتل أبو سربوط وقد عكست النماذج المعروضة خصوصية الفن الإسلامي والحرفية العالية التي طرأت على تصنيع أدواتهم من خلال التحدث عن الاستمرارية الحضارية بين الفترتين الأموية والعباسية وتنقل لنا التدرج الذي طرأ على الصناعات الإسلامية لتصل إلى الأدوات الفخارية المزججة والملونة والمؤرخة للفترة الأيوبية المملوكية غير متجاهلين للتمثيل العثماني داخل المبنى العثماني من خلال التعرض لمجموعة من الغلايين الفخارية مختلفة الأشكال والأحجام والتي عثر على بعضها من خلال التنقيبات الأثرية على تل ارب. وقد تخلل العرض استعراض لمخلفات الإنسان ضمن خزائن عرض زجاجية مسطحة على شكل طاولة خصصت للحديث عن بعض المواضيع ذات الأهمية البالغة ، فتناول بعضها الأختام الاسطوانية والجعارين التي ظهرت لإثبات الملكية آنذاك والمكتشفة من طبقة فحل، وقد ظهرت ضمن شكلين مختلفين الأول اسطواني متأثر بتلك التي سادت في العراق وشمال سوريا والأخرى كانت على شكل الخنفسة كتلك التي ظهرت في مصر. أما الخزانة المسطحة الثانية فقد تحدثت عن رقيمان طينيان يؤرخان إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وقد عثر عليهما في طبقة فحل في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، هذا بالإضافة إلى التعرض لمجموعة من العملات الذهبية والفضية والبرونزية التي اكتشفت في منطقة وادي العرب والتي تعود إلى الفترات اليونانية مرورا بالرومانية وانتهاء بالإسلامية . وفي سياق الرحلة المتحفية وبعيدا عن القاعات التي تعرضت للتسلسل الزمني فقد تضمن المتحف قاعة خاصة بتعدين النحاس وعمليات استخلاص فلزات الحديد الذي استمر منذ بدايات الألف الأول قبل الميلاد وحتى الفترات الأيوبية والمملوكية والعثمانية، بالإضافة إلى انفراد قاعة بمناقشة فن النحت الروماني من خلال استعراض مجموعة من التماثيل النصفية المنحوتة من الحجر الأسود البازلتي وأخرى من الحجر الكلسي، والتي جاءت معظمها كشواهد قبور وعلى رأسها تمثال تايكي وهي تضع على رأسها تاجا على شكل أسوار المدينة التي تحميها جدارا. كما عمد المتحف إلى تعريف الزائر بفن رصف الأرضيات الفسيفسائية وزخرفة الجدران بمكعبات حجرية ملونة من خلال انفراده بتخصيص قاعة كبيرة لعرض اللوحات الفسفسائية المكتشفة من مناطق مختلفة من اربد، بيت راس، النعيمة، الحصن، طبقة فحل، سما الروسان، داريا، قم، كفر جايز، دير السعنة وغيرها، وقد ناقشت هذه اللوحات موضوعات عدة منها أنواع الحيوانات والنباتات وأحيانا أخرى كانت تؤرخ لأسماء الأشخاص الذين بنوا أو صمموا هذه الأرضيات. أما القاعة الأخيرة والتي جاءت في مقدمة المتحف فقد خصصت للحديث عن المدينة التي احتضنت المتحف من خلال اللوحات الإيضاحية التي حاكت مدينة اربد ثقافيا وحضاريا وتاريخيا واجتماعيا واثريا . أما ساحة المتحف فقد خصصت لعرض القطع كبيرة الحجم مثل التوابيت البازلتية وتاجيات الأعمدة والبوابات الحجرية كبيرة الحجم. وفي خطوة فريد من نوعها فقد حرص القائمون على هذه المؤسسة العلمية على نقل التسلسل التاريخي من خلال إجراء حفرية أثرية داخل ساحة المتحف والتي أظهرت تاريخ التل الأثري منذ (3200ق.م) وحتى الفترات العثمانية، وقد جهزت بطريقة تسمح للزائر مراقبة هذه التقسيمات عبر ألواح زجاجية غطت سطحها للتعرف على تاريخ التل الأثري أولا ثم الإطلاع على طبيعة العمل الأثري ثانيا.
منقول
متحف دار السرايا .. تحفة معمارية تروي حقبا تاريخية